.
 

آية المباهلة

تفسير آية المباهلة 
في هذه الآية التي تسمى آية المباهلة ﺑﻴﻦ اﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ اﻟﺤﻖ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﻋﻴﺴﻰ اﺑﻦ ﻣﺮﻳﻢ ﻭﺃﺑﻄﻞ ﻗﻮﻝ اﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﻭﻗﺎﻝ " ﻓﻤﻦ ﺣﺎﺟﻚ ﻓﻴﻪ " ﺃﻱ ﻓﻤﻦ ﺟﺎﺩﻟﻚ في عيسى ، بعدما ﺟﺎءﻙ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ ، ﻣﻦ ﺑﻌﺪما ﺃﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻋﻴﺴﻰ ﻣﻦ اﻟﺒﻴﺎﻥ اﻟﺤﻖ مانزل وهو أنه مثل آدم خلقه من غير أب ، ﻓﻤﻦ ﺣﺎﺟﻚ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﺑﻴﺎﻥ اﻟﺤﻖ ، ﻓﻘﻞ ﺗﻌﺎﻟﻮا ﻧﺪﻉ لكي نتباهل لكي يعرف الصادق من الكاذب، ويكون دعائنا ﻟﻠﻤﺒﺎﻫﻠﺔ ﺩﻋﺎء اﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻞ ﻟﻌﻨﺘﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺎﺫﺑﻴﻦ ﻧﺪﻉ ﻧﺤﻦ ﻭﺃﻧﺘﻢ ﺃﺑﻨﺎءﻧﺎ ﻭﺃﺑﻨﺎءﻛﻢ ﻭﻧﺴﺎءﻧﺎ ﻭﻧﺴﺎءﻛﻢ ﻭﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻭﺃﻧﻔﺴﻜﻢ ﺛﻢ ﻧﺒﺘﻬﻞ ، ﻧﺪﻉ اﻟﻠﻪ ﺑﺎﻟﻠﻌﻨﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺎﺫﺑﻴﻦ ﺩﻋﺎء ﻻ ﻳﺮﺩ ﻓﻨﻜﻮﻥ ﺑﺎﻟﺪﻋﺎء ﻭاﻟﺘﺴﺒﻴﺐ ﻗﺪ ﺟﻌﻠﻨﺎ ﻟﻌﻨﺔ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺎﺫﺑﻴﻦ ، ﻓﻘﻮﻝ اﻟﻠﻪ - ﺗﻌﺎﻟﻰ - " ﻓﻤﻦ ﺣﺎﺟﻚ " ﺧﻄﺎﺏ ﻟﻨﺒﻴﻪ ﻣﺤﻤﺪ صلى الله عليه وآله  ﻭﻗﻮﻟﻪ - ﺗﻌﺎﻟﻰ - " ﻓﻘﻞ ﺗﻌﺎﻟﻮا ﻧﺪﻉ " ﺃﻱ ﻓﻘﻞ ﻳﺎ ﻣﺤﻤﺪ : ﺗﻌﺎﻟﻮا ﺃﻳﻬﺎ اﻟﻨﺼﺎﺭﻯ اﻟﻤﺠﺎﺩﻟﻮﻥ ﻓﻲ ﻋﻴﺴﻰ ﻧﺪﻉ ﻧﺤﻦ ﻭﺃﻧﺘﻢ ﺃﺑﻨﺎءﻧﺎ ﺃﻱ اﻟﺤﺴﻦ ﻭاﻟﺤﺴﻴﻦ ﻭﺃﺑﻨﺎءﻛﻢ ﺃﻱ ﺃﺑﻨﺎء اﻟﻨﺼﺎﺭﻯ اﻟﻤﺠﺎﺩﻟﻴﻦ ونساءنا أي فاطمة الزهراء ونساؤكم من النصارى وأنفسنا أي الإمام علي عليه السلام وأنفسكم أيها النصارى من ترونه كأنفسكم. 
وفي ﻫﺬا دليل ﻋﻠﻰ ﺃﻥ اﻟﺤﺴﻦ ﻭاﻟﺤﺴﻴﻦ اﺑﻨﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ صلى الله عليه وآله وسلم وعليا نفس الرسول وكنفسه وفاطمة كذلك ،وفي اختصاص هؤلاء بالإحضار من النبي للمباهلة للدلالة على مزية هؤلاء دون غيرهم بهذه الفضيلة الشريفة و ﻟﻴﺒﻴﻦ ﻣﻨﺰﻟﺘﻬﻢ، ﻭﺃﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺃﻣﺘﻪ ﺑﻌﺪﻩ ﻣﻦ ﻳﺴﺎﻭﻳﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻔﻀﻞ ﻭﺗﻨﺒﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﻔﻀﻞ ﻟﻬﻢ والكرامة. 

فائدة ذكر الأبناء والنساء 
ﻗﺎﻝ ﻓﻲ اﻟﻜﺸﺎﻑ : ﻓﺈﻥ ﻗﻠﺖ: ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺩﻋﺎﺅﻩ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺒﺎﻫﻠﺔ ﺇﻻ ﻟﻴﺘﺒﻴﻦ اﻟﻜﺎﺫﺏ ﻣﻨﻪ ﻭﻣﻦ ﺧﺼﻤﻪ، ﻭﺫﻟﻚ ﺃﻣﺮ ﻳﺨﺘﺺ ﺑﻪ، ﻭﺑﻤﻦ ﻳﻜﺎﺫﺑﻪ؛ ﻓﻤﺎ ﻣﻌﻨﻰ ﺿﻢ اﻷﺑﻨﺎء ﻭاﻟﻨﺴﺎء؟
ﻗﻠﺖ: ﺫﻟﻚ ﺁﻛﺪ ﻓﻲ اﻟﺪﻻﻟﺔ، ﻋﻠﻰ ﺛﻘﺘﻪ ﺑﺤﺎﻟﻪ، ﻭاﺳﺘﻴﻘﺎﻧﻪ ﺑﺼﺪﻗﻪ، ﺣﻴﺚ اﺳﺘﺠﺮﺃ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺮﻳﺾ ﺃﻋﺰﺗﻪ، ﻭﺃﻓﻼﺫ ﻛﺒﺪﻩ، ﻭﺃﺣﺐ اﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻴﻪ، ﻟﺬﻟﻚ، ﻭﻟﻢ ﻳﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺮﻳﺾ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻪ؛ ﻭﻋﻠﻰ ﺛﻘﺘﻪ ﺑﻜﺬﺏ ﺧﺼﻤﻪ، ﺣﺘﻰ ﻳﻬﻠﻚ ﺧﺼﻤﻪ، ﻣﻊ ﺃﺣﺒﺘﻪ ﻭﺃﻋﺰﺗﻪ، ﻫﻼﻙ اﻻﺳﺘﺌﺼﺎﻝ ﺇﻥ ﺗﻤﺖ اﻟﻤﺒﺎﻫﻠﺔ.
ﻭﺧﺺ اﻷﺑﻨﺎء ﻭاﻟﻨﺴﺎء ﻷﻧﻬﻢ اﻷﻫﻞ ﻭﻟأنهم ألصق ﺑﺎﻟﻘﻠﻮﺏ ﻭﺭﺑﻤﺎ ﻓﺪاﻫﻢ اﻟﺮﺟﻞ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻭﺣﺎﺭﺏ ﺩﻭﻧﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﺘﻞ ، ﻭﻗﺪﻣﻬﻢ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ، ﻋﻠﻰ اﻷﻧﻔﺲ لينبه ﻋﻠﻰ ﻟﻄﻒ ﻣﻜﺎﻧﻬﻢ ﻭﻗﺮﺏ ﻣﻨﺰﻟﺘﻬﻢ ﻭﻟﻴﺆﺫﻥ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻣﻘﺪﻣﻮﻥ ﻋﻠﻰ اﻷﻧﻔﺲ ﻣﻔﺪﻭﻥ ﺑﻬﺎ، ﻭﻓﻴﻪ ﺑﺮﻫﺎﻥ ﻭاﺿﺢ ﻋﻠﻰ ﺻﺤﺔ ﻧﺒﻮﺓ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺮﻭ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻮاﻗﻒ ﻭاﻟﻤﺨﺎﻟﻒ ﺃﻧﻬﻢ ﺃﺟﺎﺑﻮا ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ، ﻭﻓﻴﻪ ﺩﻟﻴﻞ ﻻ ﺷﺊ ﺃﻗﻮﻯ ﻣﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﻓﻀﻞ ﺃﺻﺤﺎﺏ اﻟﻜﺴﺎء –ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺴﻼﻡ- ﻭﻓﻴﻪ ﺣﺠﺔ ﻗﺎﻃﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺃﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻭﺇﻧﺎﻓﺔ ﻣﺤﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻋﺪاﻩ ﻷﻧﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺼﺪ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻣﻊ ﻧﻔﺴﻪ.

قصة آية المباهلة وسبب نزولها
ذكر الحاكم الجشمي في كتاب تنبيه الغافلين [ 44 - 45] 
ﺇﻥ ﻭﻓﺪ ﻧﺠﺮاﻥ ﺧﺮﺟﻮا ﻣﻨﻪ ﻭﻫﻢ ﺑﻀﻌﺔ ﻋﺸﺮ ﺭﺟﻼ ﻣﻦ ﺃﺷﺮاﻓﻬﻢ، ﻭﻓﻴﻬﻢ ﺛﻼﺛﺔ ﻧﻔﺮ ﻳﺘﻮﻟﻮﻥ ﺃﻣﻮﺭﻫﻢ اﻟﻌﺎﻗﺐ ﻭﻫﻮ ﺃﻣﻴﺮﻫﻢ ﻭﺻﺎﺣﺐ ﻣﺸﻮﺭﺗﻬﻢ، ﻭﻋﻦ ﺭﺃﻳﻪ ﻳﺼﺪﺭﻭﻥ، ﻭﻫﻮ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﺭﺟﻞ ﻣﻦ ﻛﻨﺪﻩ، ﻭﺃﺑﻮ اﻟﺤﺎﺭﺙ ﺑﻦ ﻋﻠﻘﻤﺔ، ﻭﻫﻮ ﺭﺟﻞ ﻣﻦ ﺭﺑﻴﻌﺔ، ﻭﻣﻌﻪ ﺃﺧﻮﻩ ﻛﺮﺯ، ﻭﺃﺑﻮ اﻟﺤﺎﺭﺙ ﺃﺳﻘﻔﻬﻢ ﻭﺣﺒﺮﻫﻢ، ﻭﺇﻣﺎﻣﻬﻢ، ﻭﺻﺎﺣﺐ ﻣﺪاﺭﺳﻬﻢ، ﻭﻟﻪ ﻓﻴﻬﻢ ﻗﺪﺭ ﻭﻣﻨﺰﻟﺔ ﻗﺪ ﺷﺮﻓﻪ ﻣﻠﻚ اﻟﺮﻭﻡ، ﻭاﺗﺨﺬﻭا ﻟﻪ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ﻭﻭﻟﻮﻩ، ﻭاﻟﺴﻴﺪ ﻭﻫﻮ ﺻﺎﺣﺐ ﺭﺣﻠﺘﻬﻢ، ﻭﻓﺼﻠﻮا ﻣﻦ ﻧﺠﺮاﻥ ﻭﺃﺧﻮ ﺃﺑﻮ اﻟﺤﺎﺭﺙ ﻋﻠﻰ ﺑﻐﻠﺔ ﻟﻪ ﻓﻌﺜﺮﺕ ﺑﻪ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺗﻌﺲ ﺃﻻ ﺑﻌﺪ ـ ﻳﻌﻨﻲ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ـ ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺃﺧﻮﻩ ﺃﺑﻮ اﻟﺤﺎﺭﺙ: ﺑﻞ ﺗﻌﺴﺖ ﺃﻧﺖ ﺃﺗﺸﺘﻢ ﺭﺟﻼ ﻣﻦ اﻟﻤﺮﺳﻠﻴﻦ ﺇﻧﻪ اﻟﻨﺒﻲ اﻟﺬﻱ ﻛﻨﺎ ﻧﻨﺘﻈﺮ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻤﺎ ﻳﻤﻨﻌﻚ ﺃﻥ ﺗﺘﺒﻌﻪ، ﻭﺃﻧﺖ ﺗﻌﻠﻢ ﻫﺬا ﻣﻨﻪ، ﻗﺎﻝ: ﺷﺮﻓﻨﺎ اﻟﻘﻮﻡ ﻭﺃﻛﺮﻣﻮﻧﺎ، ﻭﺃﺑﻮا ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺇﻻ ﺧﻼﻓﻪ، ﻭﻟﻮ اﺗﺒﻌﺘﻪ ﻟﻨﺰﻋﻮا ﻛﻞ ﻣﺎﺗﺮﻯ ﻓﺄﻋﺮﺽ ﻋﻨﻪ ﺃﺧﻮﻩ ﻭﻫﻮ ﻳﻘﺴﻢ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻻﻳﺜﻨﻲ ﻟﻬﺎ ﻋﻨﺎﻧﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﺪﻡ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻳﺴﻠﻢ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺃﺧﻮﻩ ﺃﺑﻮ اﻟﺤﺎﺭﺙ: ﻣﻬﻼ ﻳﺎﺃﺧﻲ ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻣﺎﺯﺣﺎ، ﻗﺎﻝ: ﻭﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﻣﺎﺯﺣﺎ، ﺛﻢ ﻣﺮ ﻳﻀﺮﺏ ﺑﻄﻦ ﺭاﺣﻠﺘﻪ ﻭﻫﻮ ﻳﻘﻮﻝ:
ﺇﻟﻴﻚ ﺗﻌﺪﻭا ﻗﻠﻘﺎ ﻭﺿﻴﻨﻬﺎ .... ﻣﻌﺘﺮﺿﺎ ﻓﻲ ﺑﻄﻨﻬﺎ ﺟﻨﻴﻨﻬﺎ
ﻣﺨﺎﻟﻔﺎ ﺩﻳﻦ اﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﺩﻳﻨﻬﺎ
 ﻓﺄﺗﻮا اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻓﺒﺮﻛﻮا ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ، ﻓﺘﻘﺪﻡ اﻷﺳﻘﻒ،
 ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺎ ﺃﺑﺎ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﻣﻮﺳﻰ ﻣﻦ ﺃﺑﻮﻩ؟ ﻗﺎﻝ: ﻋﻤﺮاﻥ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻴﻮﺳﻒ ﻣﻦ ﺃﺑﻮﻩ؟ ﻗﺎﻝ: ﻳﻌﻘﻮﺏ، ﻗﺎﻝ: ﻓﺄﻧﺖ ﻣﻦ ﺃﺑﻮﻙ؟ ﻗﺎﻝ: ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻄﻠﺐ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻌﻴﺴﻰ ﻣﻦ ﺃﺑﻮﻩ؟ ﻓﺴﻜﺖ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﻨﺘﻈﺮ اﻟﻮﺣﻲ، ﻓﻬﺒﻂ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﺑﻬﺬﻩ اﻵﻳﺎﺕ: {ﺇﻥ ﻣﺜﻞ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻨﺪ اﻟﻠﻪ ﻛﻤﺜﻞ ءاﺩﻡ ﺧﻠﻘﻪ ﻣﻦ ﺗﺮاﺏ ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﻟﻪ ﻛﻦ ﻓﻴﻜﻮﻥ اﻟﺤﻖ ﻣﻦ ﺭﺑﻚ ﻓﻼ ﺗﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﻤﺘﺮﻳﻦ} 
، ﻓﻘﺮﺃﻫﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻨﺰﺃ اﻷﺳﻘﻒ، ﺛﻢ ﺩﻕ ﺑﻪ ﻓﻐﺸﻲ ﻋﻠﻴﻪ، ﺛﻢ ﺭﻓﻊ ﺭﺃﺳﻪ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺗﺰﻋﻢ ﺃﻥ اﻟﻠﻪ ﺃﻭﺣﻰ ﺇﻟﻴﻚ ﺃﻥ ﻋﻴﺴﻰ ﺧﻠﻘﻪ ﻣﻦ ﺗﺮاﺏ ﺃﺗﺠﺪ ﻫﺬا ﻓﻴﻤﺎ ﺃﻭﺣﻲ ﺇﻟﻴﻚ، ﻭﻻﻧﺠﺪﻩ ﻧﺤﻦ ﻓﻴﻤﺎ ﺃﻭﺣﻲ ﺇﻟﻴﻨﺎ، ﻭﻻﺗﺠﺪﻩ اﻟﻴﻬﻮﺩ ﻫﺆﻻء ﻓﻴﻤﺎ ﺃﻭﺣﻲ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻗﺎﻝ : ﻓﻬﺒﻂ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﺑﻬﺬﻩ اﻵﻳﺔ: {ﻓﻤﻦ ﺣﺎﺟﻚ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﺟﺎءﻙ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻘﻞ ﺗﻌﺎﻟﻮا ﻧﺪﻉ ﺃﺑﻨﺎءﻧﺎ ﻭﺃﺑﻨﺎءﻛﻢ ﻭﻧﺴﺎءﻧﺎ ﻭﻧﺴﺎءﻛﻢ ﻭﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻭﺃﻧﻔﺴﻜﻢ ﺛﻢ ﻧﺒﺘﻬﻞ ﻓﻨﺠﻌﻞ ﻟﻌﻨﺔ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺎﺫﺑﻴﻦ} 
ﻗﺎﻟﻮا: ﺃﻧﺼﻔﺖ ﻳﺎ ﺃﺑﺎ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﻓﻤﺘﻰ ﻧﺒﺎﻫﻠﻚ؟ 
ﻗﺎﻝ: ﻏﺪا ﺇﻥ ﺷﺎء اﻟﻠﻪ، ﻓﺎﻧﺼﺮﻓﻮا، ﻓﻘﺎﻝ: ﺭﺋﻴﺲ اﻟﻴﻬﻮﺩ ﻷﺻﺤﺎﺑﻪ اﻧﻈﺮﻭا ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ، ﻓﺈﻥ ﻫﻮ ﺧﺮﺝ ﻏﺪا ﻓﻲ ﻋﺪﺓ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﻓﺒﺎﻫﻠﻮﻩ ﻓﺈﻧﻪ ﻛﺬاﺏ، ﻭﺇﻥ ﻫﻮ ﺧﺮﺝ ﻓﻲ ﺧﺎﺻﺔ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺑﻴﺘﻪ، ﻓﻼ ﺗﺒﺎﻫﻠﻮﻩ، ﻓﺈﻧﻪ ﻧﺒﻲ، ﻭﻟﺌﻦ ﺑﺎﻫﻠﻨﺎﻩ ﻟﻨﻬﻠﻜﻦ، ﻭﻗﺎﻟﺖ اﻟﻨﺼﺎﺭﻯ: ﻭاﻟﻠﻪ ﺇﻧﺎ ﻟﻨﻌﻠﻢ ﺃﻧﻪ اﻟﻨﺒﻲ اﻟﺬﻱ ﻛﻨﺎ ﻧﻨﺘﻈﺮ ﻭﻟﺌﻦ ﺑﺎﻫﻠﻨﺎﻩ ﻟﻨﻬﻠﻜﻦ، ﻭﻻﻧﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺃﻫﻞ ﻭﻻﻣﺎﻝ،
 ﻓﻘﺎﻟﻮا: ﻓﻜﻴﻒ ﻧﻌﻤﻞ؟ ﻗﺎﻝ اﻷﺳﻘﻒ ﺃﺑﻮ اﻟﺤﺎﺭﺙ: ﺭﺃﻳﻨﺎ ﺭﺟﻼ ﻛﺮﻳﻤﺎ ﻧﻐﺪﻭا ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻨﺴﺄﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻘﻴﻠﻨﺎ، ﻓﻠﻤﺎ ﺃﺻﺒﺤﻮا اﺟﺘﻤﻊ اﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﻭاﻟﻴﻬﻮﺩ، ﻭﺑﻌﺚ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺇﻟﻰ ﺃﻫﻞ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، ﻭﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﻌﻮاﻟﻲ، ﻓﻠﻢ ﻳﺒﻖ ﺑﻜﺮ ﻟﻢ ﺗﺮ اﻟﺸﻤﺲ ﺇﻻ ﺧﺮﺟﺖ ﻓﺎﺟﺘﻤﻊ اﻟﻨﺎﺱ ﻳﻨﻈﺮﻭﻥ ﺧﺮﻭﺝ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ، 
ﻓﺨﺮﺝ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻋﻠﻲ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ، ﻭاﻟﺤﺴﻦ ﻋﻦ ﻳﻤﻴﻨﻪ ﻗﺎﺑﺾ ﺑﻴﺪﻩ، ﻭاﻟﺤﺴﻴﻦ ﻋﻦ ﺷﻤﺎﻟﻪ، ﻭﻓﺎﻃﻤﺔ ﺧﻠﻔﻪ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ﻫﻠﻤﻮا ﻓﻬﺆﻻء ﺃﺑﻨﺎءﻧﺎ اﻟﺤﺴﻦ ﻭاﻟﺤﺴﻴﻦ، ﻭﻫﺆﻻء ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻟﻌﻠﻲ ﻭﻧﻔﺴﻪ، ﻭﻫﺬﻩ ﻧﺴﺎﺅﻧﺎ ﻟﻔﺎﻃﻤﺔ،
ثم إن اﻷﺳﻘﻒ ﻗﺎﻝ ﻟﻬﻢ ﺇﻧﻲ ﻷﺭﻯ ﻭﺟﻮﻫﺎ ﻟﻮ ﺳﺄﻟﻮا اﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﺰﻳﻞ ﺟﺒﻼ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻷﺯاﻟﻪ ﻓﻼ ﺗﺒﺘﻬﻠﻮا ﻓﺘﻬﻠﻜﻮا ﻭ ﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ اﻷﺭﺽ ﻧﺼﺮاﻧﻲ ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ، ﻗﺎﻝ: ﻓﺠﻌﻠﻮا ﻳﺘﺴﺘﺮﻭﻥ ﺑﺎﻷﺳﺎﻃﻴﻦ، ﻭﻳﺴﺘﺘﺮ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﺒﻌﺾ ﺗﺨﻮﻓﺎ ﺃﻥ ﻳﺒﺪﺃﻫﻢ ﺑﺎﻟﻤﻼﻋﻨﺔ، ﺛﻢ ﺃﻗﺒﻠﻮا ﺣﺘﻰ ﺑﺮﻛﻮا ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ، ﺛﻢ ﻗﺎﻟﻮا: ﺃﻗﻠﻨﺎ ﺃﻗﺎﻟﻚ اﻟﻠﻪ ﻳﺎ ﺃﺑﺎ اﻟﻘﺎﺳﻢ، ﻗﺎﻝ: ﺃﻗﻴﻠﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺗﺠﻴﺒﻮﻧﻲ ﺇﻟﻰ ﻭاﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺛﻼﺙ .
ﻗﺎﻟﻮا: ﻫﺎﺕ .
ﻓﻘﺎﻝ: ﺃﺩﻋﻮﻛﻢ ﺇﻟﻰ اﻹﺳﻼﻡ، ﻓﺘﻜﻮﻧﻮﻥ ﺇﺧﻮاﻧﻨﺎ ﻟﻜﻢ ﻣﺎﻟﻨﺎ ﻭﻋﻠﻴﻜﻢ ﻣﺎﻋﻠﻴﻨﺎ .
ﻗﺎﻟﻮا: ﻻﺳﺒﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ.
ﻗﺎﻝ: ﺟﺰﻳﺔ ﻧﻔﺮﺿﻬﺎ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺗﺆﺩﻭﻧﻬﺎ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ، ﻭﺃﻧﺘﻢ ﺻﻐﺮﺓ .
ﻗﺎﻟﻮا: ﻻﺳﺒﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ، ﻓﻬﺎﺕ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ .
ﻗﺎﻝ: اﻟﺤﺮﺏ .
ﻗﺎﻟﻮا: ﻻﻃﺎﻗﺔ ﻟﻨﺎ ﺑﻚ، ﻓﺼﺎﻟﺤﻮﻩ ﻋﻠﻰ ﺃﻟﻔﻲ ﺣﻠﺔ ﺃﻟﻒ ﻓﻲ ﺭﺟﺐ، ﻭﺃﻟﻒ ﻓﻲ ﺻﻔﺮ، ﻭﻋﻠﻰ ﻋﺎﺭﻳﺔ ﺛﻼﺛﻴﻦ ﺩﺭﻋﺎ، ﻭﺛﻼﺛﻴﻦ ﺭﻣﺤﺎ، ﻭﺛﻼﺛﻴﻦ ﻓﺮﺳﺎ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺑﺎﻟﻴﻤﻦ ﻛﻴﺪ، ﻭﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺿﺎﻣﻦ ﺑﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﺆﺩﻳﻬﺎ ﺇﻟﻴﻬﻢ.
ﻓﻘﺎﻝ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ: ((ﻭاﻟﺬﻱ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﻴﺪﻩ ﻟﻮ ﺑﺎﻫﻠﺘﻬﻢ ﻣﺎﺑﻘﻲ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ اﻷﺭﺽ ﻣﻨﻬﻢ ﺃﺣﺪ، ﻭﻟﻘﺪ ﺣﺸﺮ ﻋﻠﻲ ﺑﺎﻟﻄﻴﺮ ﻭاﻟﻌﺼﺎﻓﻴﺮ ﻣﻦ ﺭﺅﻭﺱ اﻟﺸﺠﺮ ﻟﻤﺒﺎﻫﻠﺘﻬﻢ))، ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺟﻊ ﻭﻓﺪ ﻧﺠﺮاﻥ ﻟﻢ ﻳﻠﺒﺚ اﻟﺴﻴﺪ، ﻭاﻟﻌﺎﻗﺐ ﺇﻻ ﻳﺴﻴﺮا ﺣﺘﻰ ﺭﺟﻌﺎ ﺇﻟﻰ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻭﺃﻫﺪﻯ ﻟﻪ اﻟﻌﺎﻗﺐ ﺣﻠﺔ ﻭﻋﺼﺎ ﻭﻗﺪﺣﺎ ﻭﻧﻌﻠﻴﻦ ﻭﺃﺳﻠﻤﺎ)

رواة حديث المباهلة
ﻣﻤﻦ ﺭﻭاﻩ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﺒﻴﺖ (ﻋ) ﻭﺷﻴﻌﺘﻬﻢ (ﺿ): 
اﻹﻣﺎﻡ ﺯﻳﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﻓﻲ: ﻣﺠﻤﻮﻉ ﻛﺘﺒﻪ ﻭﺭﺳﺎﺋﻠﻪ: ﻛﺘﺎﺏ ﺗﺜﺒﻴﺖ اﻟﻮﺻﻴﺔ [ 208 - 209] 
. ﻭاﻹﻣﺎﻡ اﻟﻬﺎﺩﻱ ﻓﻲ: ﻣﺠﻤﻮﻋﻪ [ 54] 
، ﻭاﻹﻣﺎﻡ اﻟﻤﺮﺷﺪ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻓﻲ: اﻷﻣﺎﻟﻲ اﻻﺛﻨﻴﻨﻴﺔ [ 504] ﺭﻗﻢ (662) ﻋﻦ ﺟﺎﺑﺮ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﺒﺎﻗﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ
، ﻭاﻹﻣﺎﻡ اﻟﻤﻨﺼﻮﺭ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻓﻲ: اﻟﺸﺎﻓﻲ [ 2/ 336] 
، ﻭاﻟﺤﺎﻛﻢ اﻟﺠﺸﻤﻲ ﻓﻲ: ﺗﻨﺒﻴﻪ اﻟﻐﺎﻓﻠﻴﻦ [ 44 - 45] 
 ، ﻭاﻟﺸﻬﻴﺪ ﺣﻤﻴﺪ ﻓﻲ: اﻟﺤﺪاﺋﻖ اﻟﻮﺭﺩﻳﺔ [ 62] 
ﻣﻤﻦ ﺭﻭاﻩ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻣﺔ: 
ﻣﺴﻠﻢ ﻓﻲ: ﺻﺤﻴﺤﻪ [ 4/ 1871]  ﺭﻗﻢ [ (32 - 2404)]
 ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ ﻓﻲ: ﺳﻨﻨﻪ [ 5/ 225] ﺭﻗﻢ (2999) ﻗﺎﻝ اﻟﺘﺮﻣﺬﻱ ﻫﺬاﺣﺪﻳﺚ ﺣﺴﻦ ﻏﺮﻳﺐ ﺻﺤﻴﺢ
 ﻭاﻟﺤﺎﻛﻢ اﻟﺤﺴﻜﺎﻧﻲ ﻓﻲ: ﺷﻮاﻫﺪ اﻟﺘﻨﺰﻳﻞ [ 1/ 120]
، ﻭﺃﺣﻤﺪ ﻓﻲ: ﻣﺴﻨﺪﻩ [ 3/ 160] ﺭﻗﻢ (1608)، 
ﻭاﻟﺤﺎﻛﻢ ﻓﻲ: اﻟﻤﺴﺘﺪﺭﻙ [ 2/ 649] ﺭﻗﻢ (4157)،
 ﻭاﻟﺒﻴﻬﻘﻲ ﻓﻲ: اﻟﺴﻨﻦ اﻟﻜﺒﺮﻯ [ 7/ 101] ﺭﻗﻢ (13392)
وأﻗﺮﻩ اﻟﺬﻫﺒﻲ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺗﻠﺨﻴﺺ اﻟﻤﺴﺘﺪﺭﻙ  
ﻭﻗﺎﻝ اﺑﻦ اﻟﻘﻴﻢ اﻟﺠﻮﺯﻳﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ( ﺟﻼء اﻷﻓﻬﺎﻡ ) ﺑﻌﺪ ﻛﻼﻣﻪ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮ اﻵﻝ اﻟﺬﻱ اﺑﺘﺪاﻩ ﻓﻲ ﺻﻔﺤﺔ ( 138 ) : ﻭاﺣﺘﺞ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﺑﺪﺧﻮﻟﻬﻢ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻭﻻﺩ اﻟﺒﻨﺎﺕ ﺑﺄﻥ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﺠﻤﻌﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺩﺧﻮﻝ ﺃﻭﻻﺩ ﻓﺎﻃﻤﺔ - ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ - ﻓﻲ ﺫﺭﻳﺘﻪ ( ﺻ ) اﻟﻤﻄﻠﻮﺏ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻠﻪ اﻟﺼﻨﻮﺓ ﻷﻥ ﺃﺣﺪا ﻣﻦ ﺑﻨﺎﺗﻪ ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﻘﺐ ﻓﻤﻦ اﻧﺘﺴﺐ ﺇﻟﻴﻪ ( ﺻ ) ﻣﻦ ﺃﻭﻻﺩ ﺑﻨﺘﻪ ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻓﺎﻃﻤﺔ - ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﺧﺎﺻﻪ 
ﻭﻗﺎﻝ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﻤﺴﻤﻰ ( اﻟﺠﻮاﺏ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﺻ 61 ) ﻭﻗﺪ ﺛﺒﺖ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﺣﺪﻳﺚ ﻭﻓﺪ ﻧﺠﺮاﻥ ﻓﻔﻲ اﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ﻭﻣﺴﻠﻢ ﻋﻦ ﺣﺬﻳﻔﺔ ﻭﺃﺧﺮﺟﻪ ﻣﺴﻠﻢ ﻋﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻭﻗﺎﺹ ﻗﺎﻝ ﻟﻤﺎ ﻧﺰﻟﺖ ﻫﺬﻩ اﻵﻳﺔ " ﻓﻘﻞ ﺗﻌﺎﻟﻮا ﻧﺪﻉ ﺃﺑﻨﺎءﻧﺎ ﻭﺃﺑﻨﺎءﻛﻢ ﻭﻧﺴﺎءﻧﺎ ﻭﻧﺴﺎءﻛﻢ ﻭﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻭﺃﻧﻔﺴﻜﻢ " ﺩﻋﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ( ﺻ ) ﻋﻠﻴﺎ ﻭﻓﺎﻃﻤﺔ ﻭﺣﺴﻨﺎ ﻭﺣﺴﻴﻨﺎ ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻠﻬﻢ ﻫﺆﻻء ﺃﻫﻠﻲ .
ﺫﻛﺮﻩ ﻣﻦ اﻟﻤﻔﺴﺮﻳﻦ:
اﻟﺒﻴﻀﺎﻭﻱ ﻭاﻟﺰﻣﺨﺸﺮﻱ ﻭﺃﺑﻮ اﻟﺴﻌﻮﺩ وابن كثير  والرازي في مفاتيح الغيب ﻭﺭﻭاﻩ اﺑﻦ ﺟﺮﻳﺮ ﻓﻲ ( ﺟ 3 ﺻ 312 ) ﻣﻦ ﺗﻔﺴﻴﺮﻩوهو في ﺃﺳﺒﺎﺏ اﻟﻨﺰﻭﻝ ﻟﻠﻮاﺣﺪﻱ ( ﺻ 74 - 75 )
ﻭﻗﺎﻝ اﻟﺮاﺯﻱ ﺑﻌﺪ ﻧﻘﻞ ﺫﻟﻚ : ﻭاﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ اﻟﺮﻭاﻳﺔ ﻛﺎﻟﻤﺘﻔﻖ ﻋﻠﻰ ﺻﺤﺘﻬﺎ ﺑﻴﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﻭاﻟﺤﺪﻳﺚ اﻧﺘﻬﻰ . 

اطلاق لفظ الأبناء على الحسن والحسين 
ومما يستدل به في هذه الآية كون الحسن والحسين ابني رسول الله لأنه قال وأبنائنا ولم يحضر غير الحسن والحسين 
وهذه تسمية شرعية خاصة في الحسن والحسين جعلهم النبي صلى الله عليه وآله أبناءه ونذكر هنا بعض الشواهد التي تؤيد ذلك منها
- قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ((كل بني أنثى ينتمون إلى أبيهم إلاَّ ابني فاطمة فأنا أبوهما وعصبتهما)) الحاكم في المستدرك (3/179) رقم (4770).
قال السمهودي في هذا الحديث: في بعض طرقه ورجاله موثوقون إلا شريك، وشريك استشهد به البخاري وروى له مسلم في المتابعات وأخرجه ابن عساكر عن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((أن لكل بني أبٍ عصبة ينتمون إليها إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وعصبتهم وهم عترتي)).
فبين فيه النبي أنه أبوهم وعصبتهم وهو نص صريح كما لا يخفى.
- قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين علي عليه السلام ((أنت أخي وأبو ولدي تقاتل على سنتي)) ذكره في ذخائر العقبى ص 66 فهنا يخبر النبي (ص) الإمام عليا بأنه أبو ولده وهو مما يعني أن الحسن والحسين ولدا رسول الله.
-قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد سئل أي أهل بيتك أحب إليك؟ قال: ((الحسن والحسين)) وكان يقول لفاطمة ((ادعي لي ابنيَّ)) فيشمهما ويضمهما، أخرجه الترمذي عن أنس.

إطلاق النفس على الإمام علي عليه السلام 
وفي هذه الآية دلالة واضحة على فضل أمير المؤمنين علي عليه السلام لأنه جعله الله كنفس الرسول وأنهما شيء واحد لا يفترقا بحال من الأحوال .ﻓﺈﻥ ﻧﻔﺲ اﻟﻨﺒﻲ صلى الله عليه وآله  ﺃﻓﻀﻞ اﻷﻧﻔﺲ، ﻭﻋﻠﻴﻪ ﻓﻴﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻠﻲ  ﻫﻮ ﺃﻓﻀﻞ اﻟﺨﻠﻖ ﺑﻌﺪ اﻟﻨﺒﻲ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم  لأنه جعله كنفسه 
ﻭﻳﺆﻛﺪ ﻣﺎ ﻗﻠﻨﺎ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻧﻔﺲ ﻋﻠﻲ ﻫﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ شواهد عدة منها
-ﻗﻮﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺬﻱ ﺭﻭاﻩ اﻟﺘﺮﻣﺬﻱ، ﻭﻗﺎﻝ فيه: ﺣﺪﻳﺚ ﺣﺴﻦ ﺻﺤﻴﺢ ((ﻋﻠﻲ ﻣﻨﻲ ﻭاﻧﺎ ﻣﻦ ﻋﻠﻲ , ﻻ ﻳﺆﺩﻱ ﻋﻨﻲ اﻻ اﻧﺎ اﻭ ﻋﻠﻲ )) وهذا الحديث أيضا اﺧﺮﺟﻪ اﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ ﻓﻲ ((ﻓﻀﺎﺋﻞ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ )) ج1 [ ﺻ 92] , ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ ﻓﻲ صحيحه, ﻭﻫﻮ اﻟﺤﺪﻳﺚ 2531 ﻓﻲ ج6 [ ﺻ 153] من كنز العمال, ﻭﻗﺪ اﺧﺮﺟﻪ اﻻﻣﺎﻡ اﺣﻤﺪ ﻓﻲ ج4 [ ﺻ 164] ﻣﻦ المسند 
-ﺭﻭى أحمد بن حنبل  ﻓﻲ ﻓﻀﺎﺋﻞ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ  (2/ 706): ﻟﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻟﻮﻓﺪ ﺛﻘﻴﻒ: ((ﻟﺘﺴﻠﻤﻦ ﺃﻭ ﻷﺑﻌﺜﻦ ﺇﻟﻴﻜﻢ ﺭﺟﻼ ﻣﻨﻲ - ﺃﻭ ﻗﺎﻝ: ﻋﺪﻳﻞ ﻧﻔﺴﻲ - ﻓﻠﻴﻀﺮﺑﻦ ﺃﻋﻨﺎﻗﻜﻢ، ﻭﻟﻴﺴﺒﻴﻦ ﺫﺭاﺭﻳﻜﻢ، ﻭﻟﻴﺄﺧﺬﻥ ﺃﻣﻮاﻟﻜﻢ)).ﻗﺎﻝ ﻋﻤﺮ: ﻓﻤﺎ ﺗﻤﻨﻴﺖ اﻹﻣﺎﺭﺓ ﺇﻻ ﻳﻮﻣﺌﺬ، ﻭﺟﻌﻠﺖ ﺃﻧﺼﺐ ﺻﺪﺭﻱ، ﺭﺟﺎء ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ: ﻫﻮ ﻫﺬا.ﻓﺎﻟﺘﻔﺖ ﻓﺄﺧﺬ ﺑﻴﺪ ﻋﻠﻲ، ﻭﻗﺎﻝ: ((ﻫﻮ ﻫﺬا)) ﻣﺮﺗﻴﻦ.
 - ﺃﺧﺮج اﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺷﻴﺒﺔ ﻣﺼﻨﻒه (12/ 107)(ﺃﻭﺻﻴﻜﻢ ﺑﻌﺘﺮﺗﻲ ﺧﻴﺮا، ﻭﺃﻥ ﻣﻮﻋﺪﻛﻢ اﻟﺤﻮﺽ، ﻭاﻟﺬﻱ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﻴﺪﻩ، ﻟﺘﻘﻴﻤﻦ اﻟﺼﻼﺓ، ﻭﻟﺘﺆﺗﻦ اﻟﺰﻛﺎﺓ، ﺃﻭ ﻷﺑﻌﺜﻦ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺭﺟﻼ ﻣﻨﻲ - ﺃﻭ ﻛﻨﻔﺴﻲ - ﻳﻀﺮﺏ ﺃﻋﻨﺎﻗﻜﻢ)).
ﺛﻢ ﺃﺧﺬ ﺑﻴﺪ ﻋﻠﻲ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ((ﻫﻮ ﻫﺬا)).


عميد الأوابين

 

إن التوبة إلى الله والإنابة إليه لهي من أعظم الحالات النفسية، وأدلِّها على صفاء السريرة، وهي بابٌ جعله الله مشرعاً أمام كل من أراد الاستقامة بعد الوقوع في الخطأ، وفيها تجسدت رحمة الله التي يلجأ إليها المذنبون، بل إنه سبحانه وتعالى رغَّب فيها وحثَّ عليها، فما أقبل مذنبٌ إلى الله ذراعاً إلا أقبل العفوُّ الرحيم إليه باعاً؛ وفي هذا السياق نجد أن التاريخ الإسلامي قد قدَّم لنا عبر العصور نماذجَ مشرقة من سير الأوابين خليقةً بأن نتوقف عندها، ونأخذ منها العظةَ والقدوةَ في مسيرة الحياة؛ لقد نطقت تلك النماذج أن القلب السليم حتى وإن تلبس بالمعاصي أو أخطأ الوجهة أو تعثر للحظة، تنفعه الذكرى وتزجره المواقف، وأنه متى سمع نداء الله أناب وتاب، وصحح الاتجاه، وأخلص العمل لمولاه؛ لتحلَّ عليه أسباب الهداية وتغمره سحب الرعاية الإلهية.

وهنا لن نذهب بعيداً نحو شرق الأرض أو غربها، بل سنتحدث عن الملك اليمني أبي العتاهية عبدالله بن بشر رضوان الله عليه, الذي كانت قصته تجسيداً حقيقياً للتوبة في أسمى نماذجها؛ فمن هو أبو العتاهية؟ وأين عاش؟ وكيف ختم حياته؟!

هو أبو العتاهية عبدالله بن بشر، أحد ملوك اليمن ووجاهاتها، عاش في أواخر القرن الثالث الهجري، وكان من أسرة ذات سيادة وسلطان، وقد حكم أجزاء واسعة من اليمن منها صنعاء، وإن كان ذلك الحكم تحت مسمَّى الدولة العباسية التي لم يكن للعباسيين فيها إلا الذكر في الخطبة.

وقد حدث مع أبي العتاهية موقف غيَّر مجرى حياته وحياة اليمنيين، ففي ذات مساء وبينما كان أبو العتاهية ينادم أحد وزرائه، إذ عطش فطلب الماء فأتاه الوزير بالماء، وكان حكيماً وصاحب فطنة، وقال له: لو مُنِعتَ هذه الشربةَ بكم كنتَ تشتريها؟ فقال: بنصف مملكتي. فشربها.

ثم قال له: لو لم تخرج من جسدك بكم كنت تشتري خروجها؟ قال: بالنصف الآخر، فقال الوزير: ما ملكتَ لا يساوي شربة.

حرَّكتْ كلماتُ الوزير جرسَ إنذار بداخل أبي العتاهية، فقال لوزيره: فما نصنع؟ فقال: نبعث إلى شريف ينزل بالرس يقال له: يحيى؛ فلعل الله ينجيك به. فراسله.

ولا شك لم يكن ذلك التأثير ليقع في نفس صاحب النفوذ والسلطان لو لم تكن نبتة الخير مغروسةً في داخله، لكنها سلامة القلب ونقاوته "ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم" هي من حركت فكرة التصحيح والإنابة، وأثارت روح التوبة والعودة، فتحوَّل المُلْكُ في نظره إلى ذنبٍ يجب التخلصُ منه، وعبءٍ من الضروري طرحه، ولكن بالوسيلة التي تكون فيها النجاة ويحصل بها التغيير؛ ذلك التوجه ظل يردده على جلسائه كثيراً، فقد روى مؤلف سيرة الإمام الهادي أن أبا العتاهية كان يقول: "والله لو خرجتُ من هذا الأمر الذي كنتُ فيه بمِسْحٍ ألبَسُهُ لرأيتُ أنه أصلح لي".

وفعلاً أرسل أبو العتاهية إلى الإمام الهادي عليه السلام رُسُلَه يطلب منه الوصولَ إلى اليمن، وبذل له مملكته وأمواله وسلطانه، وما إن وصل الإمام الى صعدة حتى صدقت نيَّةُ الملك اليماني أبي العتاهية، فكان يمد الإمام الهادي بالمال والرجال معيناً له في تثبت مداميك العدالة في شمال اليمن صعدة ونجران، ويترقب طالع الإمام ليشرق من سماء صنعاء، وما إن استتب الأمر بصعدة ونجران حتى استجاب الإمام لدعوة أبي العتاهية ومراسلاته فتوجه إلى صنعاء، وفي منطقة حدقان كان أبو العتاهية في الانتظار، وما إن أطلَّ الإمام الهادي حتى رمى أبو العتاهية برمحه وكشف رأسه، ونزل عن فرسه، فلما نظر إليه الهادي نزل عن فرسه، وأقبل أبو العتاهية يحتضنه ويقبل رأسه ويديه، وجثا بين يديه، ثم جلسا معاً، فقال له أبو العتاهية: استحلفني يا أمير المؤمنين. فاستحلفه الإمام الهادي وأخذ بيعته على القيام معه بالحق وعلى الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم مضى معه إلى صنعاء.

صدقت توبة أبو العتاهية وأخلص في إنابته وأعطى الإمامَ الهادي كلَّ ما يملك، وتنازل عن مملكته، ودعا وزراءه وقادته إلى مبايعة الهادي والتسليم له.

في ليلة وضحاها خرج الإنسانُ من ملكه وتنازل عن السلطان الذي هو أعظم رغبة إنسانية تمتلك المرء وتسيطر عليه.

فإن زهدت في شهوة المال أنفسٌ *** لما زهدت عن شهوة النهي والأمر

وفي سبيل هذه الرغبة تقوم الحروب وتشن المعارك، وقد قيل أن الملك عقيم، فمن أجله يقتل المرء أباه وأخاه، ويكفر بالله، ويسفك الدماء، وينتهك الحرمات.

ولكن أبا العتاهية كان على خلاف ذلك، فقد تنازل عن كل مغانم الدنيا وبذلها في سبيل الله برغبة من نفسه، فكان بحق قدوة للتائبين والمنيبين.

تحول أبو العتاهية من ملك يأمر وينهى إلى جنديٍّ في جيش الإمام الهادي، وقد أعطى كل ممتلكاته من مال وخيل وسلاح، بل إن الإمام الهادي عرض عليه أن يوليه في بعض المناصب السيادية أو يعطيه ولاية بعض المناطق والمخاليف اليمنية، ولكنه رفض ذلك، وآثر أن يكون جندياً مطيعاً ومقاتلاً مخلصاً في جيش الإمام، قائلاً له: "لا أريد يا أمير المؤمنين ذلك، ولكن أكون خادماً بين يديك".

ولأن أبا العتاهية كان حالةً فريدةً سجلها التاريخ في التنازل عن الملك والتخلي عن السلطان، فقد كانت توبته تمثل أرقى ما تكون عليه التوبة، وأصدق ما يمكن أن توجد عليه؛ وقد رأى أن النفس بحاجة إلى ترويض حتى يذهب عنها ما خلَّفته سنوات السلطان وما علاها من درن الأوزار، فذهب إلى ضيعة كان قد بناها وجعل له فيها منزلاً، فاعتزل فيها يحاول أن يبني نفسه من جديد ويهذبها حتى تعود صافية نقية خالية من الذنوب.

وقد نزع عن نفسه كل مظاهر بذخ الملوك من ثياب وحشم، واستعاض عنها بلباس الفقراء والزهاد وتقشف في مأكله وملبسه وحياته، ويرى أن ذلك اللحم الذي نبت من حرام لا بد أن يذهبه وينمو بدلاً عنه لحم حلال طيب؛ قال الإمام المرتضى محمد بن يحيى عليه السلام: دخل إلينا أبو العتاهية في بعض الأيام، فنظرت إلى وجهه متغيراً فقلت له: لِمَ تعملُ بنفسك هذا وأنت تحتاج إلى نفسك؟ كُلْ من الطعام، فقال لي: لا و الله يا بن رسول الله حتى يذهب هذا اللحم الذي قد حملته من الحرام ثم آكل.

لقد تمثل أبو العتاهية الدين واقعاً، وعاشه في كل تفاصيل حياته، لا يبتغي غير موافقة مراد الله والتزام طاعته، وقد رسم مساره الجديد بعناية فائقة وحسن اختيار، فكان أهمُّ الأمور عنده تقديسُ الشرع والتنازل عن كل شيء في مقابل تطبيق أوامر الله؛ إنها طاعة لا تقبل التجزئة، وإنابة لا تدخلها التبريرات، وتسليم لله في كل شيء.

ومن أعظم الشواهد على ذلك موقفُه الذي سطره التاريخ من المرأة التي ادعت عليه في حضرة الهادي، قال في السيرة: "فلما كان في بعض الأيام إذا بمرأة تصيح على باب الهادي، فأمر بإدخالها إليه، فلما دخلت قالت: أنصفني من أبي العتاهية، فأرسل الهادي إلى أبي العتاهية فأحضره وقال له: أنصف هذه المرأة، ثم قال الهادي للمرأة: ما تدَّعين عليه؟ قالت: لي في يده ضيعة غصبها أبوه، فقال أبو العتاهية للهادي: أوجب عليَّ وعليها ما يجب يا أمير المؤمنين، فقال الهادي للمرأة: هل لك شهود؟ قالت: نعم، فمضت فأحضرت شهوداً فشهدوا عند الهادي لها بالضيعة، فحكم الهادي للمرأة بالضيعة، وأمرها بقبضها فقبضتها".

عاش أبو العتاهية عبدالله بن بشر بقية عمره لا يرغب في شيء، ولا يتطلع لأمنية، ولا يطلب أمراً سوى الشهادة في سبيل الله، وهو ما عبر عنه في مراسيم تشييع أحد أصدقائه الشهداء وهو محمد ابن أبي عباد، حين وقف على قبره وخاطبه قائلاً: "وددتُ أني كنت معك فأستشهد، رزقني الله ما رزقك".

وبالفعل فقد واصل أبو العتاهية مسيرته في طريق الحق حتى نال ما تمنى، وارتقى شهيداً وهو يقاتل مع الإمام الهادي عليه السلام، وذلك في 6 شوال سنة 288هـ في منطقة حدين بصنعاء؛ ليبلغ أعلا الرتب، ويبقى التاريخ يحكي عنه أروع المواقف، فرضوان الله عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.



فاطمة بنت أسد

فاطمة بنت أسد

نسبها

هي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي[1]؛ فيلتقي نسبها بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم عند هاشم.

 

أولادها

تزوجها أبو طالب بن عبد المطلب رضي الله عنهما، وولدت له ولده كلهم وأول ولدها طالب وبه يكنى أبوه، ثم عقيل وهو أصغر من طالب بعشر سنين، ثم جعفر وهو أصغر من عقيل بعشر سنين، ثم علي وهو أصغر من جعفر بعشر سنين، وجعفر ذو الجناحين وذو الهجرتين الأَولة إلى الحبشة، والثانية إلى المدينة[2]، وأم هانئ، وجمانة؛ فكانت فاطمة بنت أسد رضي الله عنها أول هاشمية ولدت لهاشمي[3].

 

تربيتها للنبي

بعد وفاة عبد المطلب انتقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم للعيش في بيت عمه أبي طالب وزوجته فاطمة بنت أسد رضي الله عنهما، فسخرَّا طاقتهما لرعايته والاهتمام به، وكانت فاطمة بنت أسد من أبر الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حتى قال فيها صلى الله عليه وآله وسلم: ((إني كنت يتيماً في حجرها فأحسنت إلي))[4].

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبر بي منها))[5].

ويكفي دليلاً على ذلك الاهتمام منها رضوان الله عليها ما أخبر عنها صلى الله عليه وآله وسلم حين قال: رحمك الله يا أمي! كنت أمي بعد أمي، تجوعين وتشبعينني وتعرين وتكسيني، وتمنعين نفسك طيبا وتطيبيني تريدين بذلك وجه الله والدار الآخرة الله الذي يحي ويميت وهو حي لا يموت ، اغفر لامي فاطمة بنت اسد ولقنها حجتها ووسع مدخلها بحق نبيك والانبياء الذين من قبل يا ارحم الراحمين))[6].

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((رَحِمَ اللَّهُ أُمِّي فَاطِمَةَ لَقَدْ كَانَتْ تُؤْثِرُنِي عَلَى وَلَدِهَا وَتُحْسِنُ التَّرْبِيَةَ))[7].

 

إسلامها

أدركت فاطمة بنت أسد رضي الله عنها بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكانت ممن سبق إلى الإسلام، فروي عن جعفر بن محمد قال: كانت فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب حادية عشرة، يعني في السابقة إلى الإسلام، وكانت بدرية[8]، كما أنها أول امرأة هاجرت إلى المدينة على قدميها[9].

وروى الزبير بن العوام في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ}...الآية، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعوا النساء إلى البيعة حين نزلت هذه الآية، فكانت فاطمة بنت أسد أول امرأة بايعت[10].

 

شيء من مناقبها

عن مصعب بن عبد الله الزبيري قال: "كانت فاطمة بنت أسد بن هاشم أول هاشمية ولدت من هاشمي، وكانت بمحل عظيم من الأعيان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم"[11]، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكرمها ويعظمها ويدعوها أمي.

وعن علي عليه السلام، قال: "كانت فاطمة بنت محمد تكفيه الداخل وفاطمة بنت أسد تكفيه الخارج" يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم[12].

وروي أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((إن الناس يحشرون عراة))، فقالت: وا سوأتاه، فقال لها: ((فإني أسأل الله أن يبعثك كاسية))، وسمعته يذكر ضغطة القبر، فقالت: واضعفاه، قال: ((إني أسأل الله أن يكفيك ذلك))[13].

وعن علي عليه السلام، قال: أهديت إلى النبي صلى الله عليه وسلم حلة حرير فبعث بها إلي وقال: ((إني لم أبعثها إليك لتلبسها إني أكره لك ما أكره لنفسي ولكن اقطعها خُمرا واكسها فاطمة أمك وفاطمة ابنتي))[14].

وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين عليه السلام: ((يا علي لك أشياء ليست لي منها، لك زوجة مثل فاطمة وليست لي، ولك ابنان من صلبك الحسن والحسين وليس لي مثلهما من صلبي، ولك مثل خديجة أم أهلك وليس لي مثلها حماة، ولك صهرك مثلي وليس لي صهر مثلي، ولك أخ مثلي وليس لي أخ مثلي، ولك أخ في النسب مثل جعفر وليس لي مثله في النسب، ولك أم مثل فاطمة بنت أسد الهاشمية وليس لي أم مثلها))[15].

 

وفاتها

عن علي عليه السلام قال: إنه لما ماتت أمي جئت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقلت: إن أمي فاطمة قد ماتت.

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنا لله وإنا إليه راجعون)) وأخذ عمامته ودفعها إليَّ وقال: ((كفنها فيها، فإذا وضعتها على الأعواد فلا تحدثن شيئاً حتى آتي)).

فأقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المهاجرين وهم يمشون قدامه لا ينظرون إليه إعظاماً له حتى تقدم رسول الله فكبّر عليها أربعين تكبيرة، ثم نزل في قبرها فوضعها في اللحد، ثم قرأ عليها آية الكرسي ثم قال: ((اللهم اجعل من بين يديها نوراً، ومن خلفها نوراً وعن يمينها نوراً، وعن شمالها نوراً، اللهم املأ قلبها نوراً))، ثم خرج من قبرها.

فقال المهاجرون: يا رسول الله قد كبّرت على أم علي مالم تكبر على أحد!

فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((كان خلفي أربعون صفاً من الملائكة فكبرت لكل صف تكبيرة))[16].

وروي أنه صلى الله عليه وآله وسلم حفر اللحد بيده وأخرج ترابه بيده، وألبسها قميصه واضطجع في قبرها، فلما سئل عن ذلك، قال: ((إني إنما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة واضطجعت معها في قبرها ليهون عليها))[17].

وعن جابر لما توفيت فاطمة بنت أسد حزن عليها رسول الله حزناً شديداً، ثم قال: ((يرحمك الله يا أماه لقد كنت تشبعيني وتجوعين علياً وجعفراً وعقيلاً، يرحمك الله يا أماه لقد كنت تؤثريني على نفسك وولدك))[18].

وروي عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه، عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وآله دفن فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي بن أبي طالب بالروحاء مقابل حمام أبي قطيفة[19] بالمدينة المنورة[20].

 

[1] المجدي في أنساب الطالبيين، ص30.

[2] الأمالي الاثنينية للمرشد بالله، ص 470.

[3] الإفادة في تاريخ الأئمة السادة، ص21.

[4] المصابيح في السيرة، ص122.

[5] مقاتل الطالبيين، ص5.

[6] كنز العمال، ج12/ص147.

[7] الأمالي الاثنينية، ص470.

[8] مقاتل الطالبيين، ص5.

[9] تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين، ص201.

[10] تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين، ص201.

[11] المستدرك على الصحيحين، ج4/ص192.

[12] المعجم الكبير للطبراني، ج24/ص351.

[13] تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين، ص201.

[14] وفي كنز العمال "عن علي قال : أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم حلة مكفوفة بحرير إما سداها وإما لحمتها ، فأرسل بها إلي ، فأتيته فقلت : يا رسول الله ! ما أصنع بها ؟ ألبسها ، قال : لا ولكن اجعلها خمرا بين الفواطم".

[15] الشافي للإمام عبدالله بن حمزة، ج3/ ص475.

[16] المصابيح في السيرة، ص122؛ وفي المعجم الكبير للطبراني أنه حين اضطجع صلى الله عليه وآله وسلم في قبرها، قال: ((الله الذي يحيي ويميت وهو حي لا يموت أغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين)).

وروى في كنز العمال أنه صلى الله عليه وآله وسلم كبر عليها سبعين تكبيرة؛ وروي غير ذلك.

[17] مقاتل الطالبيين، ص5؛ وفي كنز العمال أنه قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إني ألبستها قميصي لتلبس ثياب الجنة، واضطجعت معها في قبرها لأخفف من ضغطة القبر، إنها كانت أحسن خلق الله صنيعاً إلي بعد أبي طالب)).

[18] تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين، ص201.

[19] مقاتل الطالبيين، ص5.

[20] المجدي في أنساب الطالبيين، ص11.

الإمام الناصر الأطروش

الإمام الناصر الأطروش

 

الاسم: أبو محمد الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر (الأشرف)[1] بن علي (زين العابدين) بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

الأمُّ: أمُّ حبيب, وهي أمُّ ولد جلبت من خراسان.

الأب: والد الإمام الناصر[2] هو السيدُ الإمام المجتهد شيحُ العِترة عليُّ بن الحسن, وكان يُلقب بالعسكري, ويُلقب بـ (ابنِ المُقعَدة), أمَّا سببُ تسميته بالعسكري[3]؛ فإنَّه جاء أنَّه عندما أخرجه عمر بن الفرج[4] من المدينة إلى العراق, إلى واسط أولاً ثم إلى سامراء, وهي كانت تسمى قديماً العسكر ولهذا سُمِّيَ العسكري[5], أمَّا سببُ تسميتِه بابنِ المُقعدة فنسبة لوالدته التي كانت مُقْعدةً، وهي من ذرية محمَّد بن الحنفية واسمُها أمُّ هاشم عُلَيةُ[6] بنت محمد بن عون بن محمد بن علي بن أبي طالب, وقد ترجم لوالدِ الإمام الناصر في كتاب مطلع البدور, فقال[7]: "السيدُ الإمام الكبير المُجْتهدُ الحافِظ شيخُ الشُّيوخ عليُّ بن الحسن بن علي بن عُمَر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - والدُ النَّاصر الكبير شيخ العترة، كان من المحدثين والفقهاء، ناظورة زمانه، وكان مُحدِّثُ أهل البيت الحسين بن علي المصري صنو الناصر يروي عنه مُشافَهَةً، وكذلك السيد الإمام المحدث أحمد بن محمد بن عمِّ الناصر، وعن طريقهما روى الناصر ما حكاه صاحب الحاصر عنه، وهو أنَّهما رويا للناصر عن أبيه علي بن الحسن المذكور أنه قال: حدثنا علي بن عبد الله بن الحسين عن موسى بن جعفر في قوله تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً[آل عمران:97]، فهذا لمن له مال يسوقه من أجل تجارة فلا يسعه، فإن مات على ذلك فقد ترك (شريعة) من شرائع الإسلام إذا ترك الحج وهو واجد ما يحج به وإن دعاه قوم إلى أن يحج فاستحيا من ذلك فلا يفعل فإنه لا يسعه إلا أن يخرج ولو على حمار أبتر أجدع، وقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ كَفَرَ، فإنما يعني من ترك الحج وهو يقدر عليه".

ويعتبر والد الناصر من علماء الحديث وقد روى عنه ولده الناصر في البساط بواسطة أخيه الحسين والمؤيد بالله في شرح التجريد وأبو طالب في تيسير المطالب ثلاث روايات, كما أن له روايات رواها عن محمد بن منصور المرادي في البساط وشرح التجريد ص102 وص103 وأحمد بن عيسى في الأمالي

أما مشائخ والد الإمام الناصر الذين روى عنهم الحديث, فعُدَّ منهم والده الحسن بن علي, وعلي بن جعفر الصادق (البساط, وشرح التجريد ص103 , وأحمد بن عيسى), وأبو ضمرة أنس بن عياض الليثي (تيسير المطالب), إبراهيم بن رجاء الشيباني (شرح التجريد ص103)

وكان والد الناصر من الشعراء, وقد ترجم له في كتاب معجم الشعراء ص44, وأورد بعضاً من أشعاره ومنها:

قوله لعلي بن عبد الله الجعفري وكان عمر بن فرج الرخجي حمله من المدينة:

صَبْراً أبا حسنٍ فالصَّبرُ عادَتُكم
 

 

إنَّ الكرامَ علَى ما نَابَهم صُبُرُ
 

أنْتم كِرامٌ وأرْضَى النَّاسِ كُلِّهُمُ
 

 

عَنِ الإلهِ بما يَجري بِهِ القَدَرُ
 

وَاعْلمْ بأنَّكَ مَحفُوظٌ إلى أَجَلٍ
 

 

فَلَن يَضُرَكَ مَا سدى به عُمَرُ
 

 

 

 

 

 

 

 

 

ومما أورده من أشعاره:

إنَّ الكرامَ بَني النَّبيِّ مُحَمَّدٍ
 

 

خَيرُ البَّريةِ رَائحٍ أو غادِ
 

قَومٌ هَدَى اللهُ العِبادَ بِجَدِّهم
 

 

والمُؤثِرون الضَّيفَ بالأزوادِ
 

كانوا إذا نَهَلَ القَنا بأكُّفِهم
 

 

سَكَبوا السُّيوفَ أَعالي الأَعمادِ
 

وَلَهم بِجَنْبِ الطَّفِ أكْرمُ مَوقِفٌ
 

 

صَبَروا على الرّيبِ الفّظِيعِ العّادي
 

حَولَ الحُسينِ مُصَرَّعين كأنَّما
 

 

كانت مناياهُمُ على مِيعادِ
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كانت وفاة والد الإمام الناصر في العراق عن عمر ناهز السابعة والسبعين عاماً

المولد

ولد الإمام الناصر عليه السلام في المدينة المنورة, سنة 230هـ.

أولاده

أبو الحسن علي, وأبو القاسم جعفر, وأبو الحسين أحمد, وأمُّ الحسن، وهي: فاطمة، وأمُّ محمَّد، ومباركة، وأمُّ إبراهيم، وميمونة.

أخوة الناصر

كان للإمام الناصر أربعة من الأخوة ذكرهم في كتاب جمهرة أنساب العرب فقال: "وكان للحسن الأطروش من الإخوة: جعفر؛ ومحمد؛ وأحمد المكنَّى بأبي هاشم، وهو المعروف بالصوفي؛ والحسين المحدِّث، يروي عنه ابن الأحمر وغيره. وكان هذا الأطروش فاضلاً، حسن المذهب، عدلاً في أحكامه؛ ولي طبرستان ومات سنة 304هـ مقتولاً"

وأشهر أخوته الحسين وتلقب بالمصري, وكان من علماء الحديث بل من مشاهيرهم في ذلك العصر, وقد ترجم له في مطلع البدور, فقال[8]: "الحسين المحدِّث المصري، هو الحسين بن عليٍّ بنُ الحسن بن علي بن عُمر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام- هو إمام الحديث، وشيخ القديم والحديث، يعرف بالمحدِّث، وهو صنو الناصر الكبير، ويروي (أي الناصر) عنه كثيراً، ويروى عنه جماهير المحدثين من أهل البيت"

أما أخوه جعفر فقد قتل على باب نيسابور في الوقعة التي جرت بين الإمام محمد بن زيد وبين أهلها كما ذكر ذلك في كتاب مقاتل الطالبيين ص455.

أساتذته

تلقى الإمام النَّاصرُ العلمَ في المدينة المنَّورة, ثم انتقلَ إلى العراق فدَرَسَ على كبار علماء أهل البيت فيها وشيعتهم, وكان يَتَنقلُ لتلقِّي العُلُومَ بين الكوفة وبغداد, ومن خلال تراجم الإمام النَّاصرِ وتراجُمِ علماءِ عصْرِه, وما بينَ أيدِينا من مرويات الإمام النَّاصرِ نستطيعُ أنْ نستخلصَ عدداً ممن تلقى العلم عليهم:

ـ الإمام محمَّدُ بنُ منْصُورٍ المُراديُّ (ذكره في الإفادة)

ـ الإمام الحسنُ بنُ يحيى الكُوفيُّ (ذكره في الإفادة)

ـ أخوه الحسينُ المصري (هناك عدةُ مرويات للناصر عن أخيه الحسين في أمالي أبي طالب وغيره, وقد عدَّه ابن أبي الرجال ممَّن أكثرَ النَّاصر الروايةَ عنه)

ـ أحمدُ بنُ محمَّد بن الحَسن بن علي بن عمر الأشرف ابنُ عمِّ الإمام النَّاصر (هناك رواية رواها عنه الناصر في "كتاب الحاصر لفقه الإمام الناصر" كما ذكر في مطلع البدور)

ـ أحمدُ بنُ محمَّد (روى عنه في البساط ص20, ولم يذكر من اسمه إلا ما تقدم, ويحتمل أن يكون المتقدم ذكره)

ـ عبدُاللهِ بنُ يحيى العومسي العلويِّ (ذكر في مطلع البدور ج3/ ص139 أنَّ النَّاصر أكثر الرواية عنه وهو من أصحابِ الإمامِ القاسمِ الرسَّي)

ـ جَعفرُ بنُ مُحمَّد بنُ شُعْبةَ النيروسي (ذكره في مشائخ النَّاصرِ في كتاب أعلام المؤلفين في ترجمة المذكور ص285)

ـ محمَّدُ بنُ نوكرد (روى عنه في البساط)

ـ محمَّدُ بن عليٍّ بنُ خلفٍ العَطَّار( روى عنه في البساط في مواضعَ كثيرةٍ وكذلك جاء في الأمالي في مواضعَ متعددة رواية الناصر عن العطار)

ـ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ (جاء في الأمالي الاثنينية رواية الناصر عنه ولعله العطَّار)           

ـ بشرُ بنُ عبدالوهاب (روى عنه في البِسَاط في مواضعَ كثيرةٍ وكذلك في أمالي أبي طالب)

ـ بشرُ بنُ هارون (جاء في أمالي أبي طالب أكثر من رواية للناصر عنه)

ـ أحمَدُ بنُ محمَّد بن عيسى القمي ( روى عنه في البساط)

ـ محمَّدُ بن خلف (جاء في الاعتبار رواية للناصر عنه, ويحتملُ أنْ يكونَ محمَّدَ بنَ عليّ بنَ خلفِ العطَّار المتقدم ذكره وقد وقع السقط في اسم والده)

ـ عبدُ اللهِ بنُ محمَّد المدني (جاء في أمالي أبي طالب رواية الناصر عنه)

ما وَرَدَ عن رسولِ الله وأميرِ المُؤمنين عَنهُ  

ذَكَرَ عُلماءُ السِّيرِ والتَّراجِمِ في أَثْناءِ تَرجَمَتِهم للإِمامِ النَّاصرِ أحاديثَ ومروياتٍ بشَّرتْ بالإمامِ النَّاصرِ, وممَّن ذكر ذلك المولى العلامةُ مجدُ الدين المؤيدي عليه السلامُ في التُّحف شرح الزُّلف, فقد جاءَ فيه عن أميرِ المؤمنين عليه السلامُ في إحدى خُطَبِه أنَّه قالَ: "يَخرجُ من نَحوِ الدَّيلم مِن جبالِ طبرستان فتىً صبيحُ الوَجه اسمُه اسمُ فَرخِ النَّبي صلى اللهُ عليه وآلَه وسلم الأكبرِ يعني الحسنَ بن علي عليه السلام".

وعن النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وآلَه وسلم رواه بعضُ علمائِنا رحمهم اللهُ تعالى أنَّه صلى اللهُ عليهِ وآلَه وسلم لمَّا سألَهُ أنسٌ عن علاماتِ السَّاعة, قال: "من علاماتِها خروجُ الشَّيخِ الأصمِّ مِن وَلَدِ أخي معَ قومٍ شُعورُهم كشُعور النِّساءِ بأيديِهم المزاريقُ".

وعن جدِّهِ صلى اللهُ عليه وآلَه وسلم أنَّه قال: "يا عليُّ يَكونُ من أولادِك رجلٌ يُدعى بزيدٍ المظلوم، يأتي يومَ القيامَةِ معَ أصحابِه على نُجُبٍ مِن نُورٍ، يَعْبرون على رُؤوسِ الخلائقِ كالبَرقِ الَّلامِع، وفي أعقابِهم رجلٌ يُدعى بِناصرِ الحقِّ حتى يقفوا على بابِ الجنَّة...إلى آخر الحديث"، قالَ في الحدائقِ: "وأعلمَ بِهِ أميرُ المؤمنين عليه السلامُ في خُطبتِهِ بالكُوفةِ، وخُطبتِهِ بالنَّهروان".

قالَ الإمامُ النَّاصرُ عليه السلامُ: "حَفِظتُ من كُتُب اللهِ بِضْعَةَ عشرَ كتاباً فما انتفعْتُ منها كانتفاعي بكِتابين أحدُهُما: الفُرقانُ لِمَا فيه مِن التَّسليةِ لأبينا، والثَّاني: كِتابُ دانيال لِمَا فيه مِن أنَّ الشّيخَ الأصمَّ يَخرجُ في بَلَد يُقالُ لها ديلمان..الخ"

صِفَتُه

كانُ الإمامُ النَّاصرُ عليه السلامُ طويلَ القامَةِ، يّضْربُ إلى الأدَمةِ، بِهِ طَرَشٌ من ضَربةٍ أصابَتْ أُذنَهُ في حادثةٍ قيل: أنَّها وقعَتْ بنيسابور وقيلَ: في جُرجان[9], ومضمونُ القِّصة والمُتَّفقُ عليه أنَّ ذلك الطَّرشَ كان نتيجةَ التَّعذيب الذي نالَه الإمامُ النَّاصر في سِجن الجحستاني, فقد روى المؤرخون أنَّ الإمامَ النَّاصر حينَ شاهدَ جبروتَ وطغيان ذلك القائد حاول أنْ يقودَ ثورةً ضِدَّه, وبدأ في التواصل بالنَّاس والتحضيرِ لها وأجابَه على ذلك خلقٌ كثيرٌ, لكن لم يكتب لتلك الثورةِ أنْ تنجحَ ففي أثناءِ التحضير لها وشى بعضُ المنافقين بما يخططُ له الإمامُ النَّاصر, فأودعه السِّجنَ وكان يَضربُهُ بالسِّياط ضرباً شديداً؛ كي يعترفَ بأسماءِ من أجابه من النَّاس, فأمتنع الإمامُ عن الاعتراف, وأصرَّ على الحفاظِ على أسماءِ أنصارِه, فأصابَه سوطٌ في أذنِه فسبَّبَ له طرشاً, والطَّرَشُ ثِقَلٌ في السَّمع كما في معجم الوَسيط, ولقد كان الإمامُ النَّاصر يستثمرُ ذلك الطَّرَشَ في الأوقات الذي لا يُحِبُ أنْ يسمعَ فيها حديثَ المُتحدث, يقولُ في الإفادة: "وكان ربَّما يتطارشُ تطارشاً زايداً على ما بِهِ من الطَّرش يعرضُ له ولِضَربٍ من التَّطرفِ.

فحدثني أبي رحمَهُ الله قالَ: قامَ يوماً في مجلسِه شاعرٌ ليُنشدَهُ قصيدةً كان مدحَهُ بها، فلمَّا ابتدأَ بالإنشاد أشارَ رضي اللهُ عنه بيدِهِ إلى أذنِه أنَّي لا أسمعُ ما تُنشدُه فلا فائدةَ لك في إنشادِه، فتَضَرَّعَ إليه الرجلُ في أنْ يأذنَ في الإنشاد وسألَ في بابِهِ من حَضَرَ، فأومي إليه أنْ يُنشِدَه، فلمَّا مَرَّ الرجلُ في قصيدتِهِ، انتهى في بيتٍ أنشدَهُ إلى كلمةٍ لَحَنَ فيها، فلمَّا أطلعَ الكلمَةَ أوْمأَ إليه وأشارَ بيدِهِ مُنَبِهاً على خطَئِهِ، فَضَحِك النَّاسُ وقالوا: أيُّها النَّاصر ألمْ تُظهِرْ له أنَّك لا تسمعُ؟ فتبسَّمَ.."

جوانب من شخصية الإمام الإيمانية

إِمامُ هُدًى

الإمامُ النَّاصرُ واحدٌ من الأئمَّةِ الذين تشرفَتْ بِهم البسيطةُ, وتعطَّرت بِمَقدَمِهِم الدنيا وازدانَت بذكرِهِم صفحاتُ التاريخ, وهو حينَ يُذكر فإنَّما يُذكرُ في مَصافِ أئمَّة أهلِ البيتِ الكِبار كزيدٍ والهادي, بلْ هو من تلك الطبقةِ المُنيفةِ التي غيَّرت مسارَ هذه الأمَّة, وَخَلَّدَتْ آثاراً علميةً وفكريةً مازالت ملهمة للبَشرية, ولقد ظلَّ الإمامُ النَّاصر مدرسةً اجتهاديةً وإماماً مُتَّبعاً يُصّنَّفُ في أقوالِه ويُنتصرُ لاجتهاداتِه, ولقد حفظَ علومَ الإسلام واستوعب كُتُبَ المسلمين على اختلاف مباحثها ومذاهبِها من عقيدةٍ وفقه وحديثٍ ولغةٍ وتاريخ, قال في الإفادة: "وكان جامعاً لعلمِ القرآن والكلامِ والفقه والحديث والأدب والأخبار واللغة، جيَّدَ الشِّعر، مَليحَ النَّوادر، مُفيدَ المجلس[10]", بل كان من توسعه المعرفي أنِ اطَّلع على الكتب السماوِّية القديمة حتى أنَّه ذكرَ عن نفسِهِ أنَّه قرأ 15 كتاباً من الكُتُب السماوِّية.

ولقد تركَ لنا تراثاً فكرياً عظيماً ومؤلفاتٍ علميةً متعددة, أَثْرَتِ الفِكرَ الإسلامي, ومدًتِ المكتبةَ الإسلامية بِجواهرِ العُلُوم وكنوزِ المعارف, قال في التحف شرح الزلف: "ومن مؤلفاته: كتابُ البِساط، والمُغني، وكتابُ المُسفر، والصفي، وكتابُ البَّاهر جمَعَه بعضُ علماءِ عصرِِهِ على مذهبِهِ، وكتابُ ألفاظِ النَّاصر رتَّبَه أيضاً أحدُ العلماء المعاصرين له، كان يَحضُرُ مَجلسَهُ ويكتُب ألفاظَهُ جَمَعَ فيه من أنواعِ العُلوم ما يَبهَر الألباب، وكتابُ التفسير اشتمل على ألفِ بيتٍ من ألفِ قصيدةٍ، وكتابُ الإمامة، وكتابُ الأمالي فيها من فضائلِ أهلِ البيت الكثيرَ الطيب، وغيرُها كثير, قيل: إنَّ مؤلفاتِ الإمام الناصر تزيدُ على ثلاثمائة"[11]

عِلمُه

قالَ النَّاصر للحق عليه السلامُ في بعض خُطَبِهِ: "فَسَلوني عن جَميعِ أمْرِ دينِكم وما يُعييكُم من العلم، وتَفسيرِ القُرآن فإنَّا نحن تراجِمَتُهُ وأولى الخَلْقِ به، وهو الذي قُرِنَ بنا وقُرِنَّا بِهِ"

هذا الدعوى العظيمة تذكرنا بما قاله جدُّه عليُّ بن أبي طالب: "سلوني قَبلَ أنْ تفقدوني", وكرَّره حَفيدُه الإمامُ زيد بن علي: "سلوني، فواللهِ ما تسألوني عن حلالٍ أو حرامٍ، أو مُحكَمٍ أو مُتَشابِهٍ، أو ناسِخٍ أو مَنسوخٍ، أو أمْثالٍ أو قِصَص، إلا أنْبَأتُكم بِه، واللهِ ما وقَفتُ هذا المَوقفَ ولا قُمتُ مَقامي هذا حتى قَرأتُ القُرآن، وأتقنتُ الفرائضَ والأحكام، والسنن والآداب، وعرفتُ التأويلَ كمَا عرفتُ التَّنزيلَ، وفهِمتُ النَّاسخَ والمَنسوخَ، والمُحكمَ والمُتشابه، والخاصَ والعام، وأنَا أعلمُ أهلِ بيتي بما تحتاجُ إليه الأمَّةَ، وأنا على بَصيرَةٍ من ربي".

والإمامُ النَّاصر حينَ يُكرر ما قاله الإمامُ علي وما قالَه الإمامُ زيد, لَيَدُلَّ دلالةً بينةً عن المَقام المُتقدِمِ والمُستوى المعرفيّ والعِلمي الرفيع الذي وَصَلَ إليه الإمامُ النَّاصر عليه السلام, وهو ما يَحُطُّ عنَّا ثِقلَ البيانِ عن علمِ الإمام النَّاصر عليه السلام.

ويقول الإمام الناصر في إحدى رسائله في أثناء دعوته وما يكشف جانباً من علمه: ﻭﻟﻘﺪ ﺑﻠﻐﻚ - ﺃﻋﺰﻙ اﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﺃﺩﻋﻮ ﻭﺃﻫﺪﻱ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻭاﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ، ﺇﺣﻴﺎء ﻟﻤﺎ ﺃﻣﻴﺖ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺏ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﺩﻓﻦ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻣﺤﻀﺖ ﺁﻱ اﻟﺘﻨﺰﻳﻞ ﻋﺎﺭﻓﺎ ﺑﻬﺎ، ﻣﻨﻬﺎ ﺗﻔﺼﻴﻞ ﻭﺗﻮﺻﻴﻞ، ﻭﻣﺤﻜﻢ ﻭﻣﺘﺸﺎﺑﻪ، ﻭﻭﻋﺪ ﻭﻭﻋﻴﺪ، ﻭﻗﺼﺺ ﻭﺃﻣﺜﺎﻝ، ﺁﺧﺬا ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﻤﻌﺮﻓﺘﻬﺎ ﻳﻜﻮﻥ اﻟﻜﻤﺎﻝ، ﻣﺴﺘﻨﺒﻄﺎ ﻟﻠﺴﻨﺔ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﺩﻧﻬﺎ، ﻣﺴﺘﺨﺮﺟﺎ ﻟﻠﻤﺘﻜﻤﻨﺎﺕ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻣﻨﻬﺎ، ﻣﻨﻴﺮا ﻟﻤﺎ اﺩﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﻇﻠﻤﻬﺎ، ﻣﻌﻠﻨﺎ ﻟﻤﺎ ﻛﺘﻢ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﻮﺭﻫﺎ"

مدرسته العلمية

لقدْ تَرَعرَعَ الإمامُ النَّاصرُ مُنذُ صِباه على العِلم والدَّرس, وما زال يَتَرقَّى في العلم حتى أَصْبحَ أحدَ أئمَّةِ الإسلام وعلماً من أَعلامِ الشَّريعة العِظام, ولقدْ سَخَرَ الإمامُ النَّاصر حياتَهُ في نشر العلم, وإحياءِ الحياةِ العلمية, وحين استقر له الزمان, ودانت له الأقطارُ, ومكنَّه اللهُ من إقامةِ الحَقِّ والعَدلِ, لم يَكُنْ ليَشغَلَه تَولِّى الأمرَ, والقيامُ بمصالحِ العباد عن الاهتِمامِ بالعلم, ونشرِه, باعتبارِ العلم هو الرَّافِعَةُ الأساسيةُ لرِفْعةِ الأُمَّةِ وتَقَدُّمِها, ولذلك فقد خصَّصَ له مَجْلِساً علْمياً كانَ يحضُرُه كِبارُ العُلماء والطَّلبة ينشرُ عليهم مَسائلَ العقيدةِ والفِقهِ والقرآنِ الكريم لفظاً ومعنًى واللُّغة والحديث رِوايةً ونقداً, ونقل التاريخ وإنشادِ الأشعار للقُدماء والمُحدثين، ورِوايةِ الحِكاياتِ المُفيدة, حتى أنَّ أحدَ رُوَّادِ مَجلِسِه, ومُلازمِيه وهو القاضي أبو عبد الله الوليدي, جَمعَ جميعَ ما كانَ يسمعُه من الإمام النَّاصر ممَّا يتصلُ بجنس العلم والأدب، ويتعلق بضرب من الفائدة، فصنَّفَ فيه كتاباً سمَّاهُ (ألفاظُ النَّاصر), كما خصَّصَ الإِمامُ النَّاصرُ مَجلِساً لرِوايةِ الحديثِ النَّبَويّ.

وقد كانَ لهُ عليه السلامُ في كُلِّ يومٍ رحلةٌ إلى أطرافِ البلد, وفي انصرافِه منها يجتمعُ إليه فُقَهاءُ البلد وأهلُ العلم في المُصلى, فيجلسوا ويُملي عليهم الحديثَ وهذا يدُلُّ على هِمَّةٍ قعساء, في نشرِ الفكرِ والمعرفةِ.

وعَمِلَ الإمامُ النَّاصر على تشجيعِ العُلماء على نَشرِ العلم, وأسس لهم المدارسَ العلمية, وتُعَدُّ مدرستَه العلمية التي أسسَّهَا بَعدَ فَتْحِ آمل من أشهرِ المدارس العلمية التي كان لها دورٌ رائدٌ في تلك البلاد, واستمرت قروناً منهلاً للعلم ومقصداً للفكر ومنصةً لانطلاق العلماء والمفكرين الذين أثروا المكتبة الإسلامية بنفائس الفكر في شتَّى المجالات العلمية، حتى أنَّ البعض قد ذهبَ إلى أنَّ الإمام النَّاصرَ حين وطَّدَ دعائمَ دولته العادلة في طبرستان تفرَّغَ في نهايةِ عُمرِه لبناءِ مداميك تلك المدرسة العلمية, وما زالَ الحديثُ عن تلك المدرسة إلى الآن, وهو شاهدٌ على عراقَتِها ودورِها وأثرِها الكبيرِ في الواقع العلمي.

دعوتُه إلى الله

الإمام ـ الذي جعلَه اللهُ قائداً للنَّاس وإماماً لهم ـ يمنحُه الله سمات القيادة وصفات الإمَامة, وفي شخصيتِه تتعدّدُ ملامحُ العظمة والسمو التي تُؤهلُه للأخذِ بيدِ الأمَّةِ الى حيث الرِّفعة والسعادة والحياة الكريمة, ومن شأنِ هذا الصفاتِ أنْ تتجلَّى في ميدان العمل, فيترك صاحبُها آثاراً خالدة, لولا تواترُه لظنَّه الباحثُ ضرْباً من الخيال, وفي أقربِ الأحوال بعيدَ المنال, ولعمري لقد كان الإمامُ النَّاصر حائزاً لكلِ صفات القيادة الربانية, وهو ما خَوَلَه أنْ يُخلِّدَ ذلك الأثرَ, ولعلَّ من أعظمِ الآثار الذي ارتبطتْ بشخصيةِ الإمام النَّاصر اسلامُ الآلاف البشر على يديه ودخولهم في دين الله بمساعيه, فلا يكاد إنسان أنْ يتحدثَ عنه إلا ويستحضرُ أولئك الآلاف من الجيل والديلم الذين أسلموا بدعوةِ الإمام النَّاصر, ويتذكرُ تلك الجهودَ العظيمة التي بذلَها في سبيل الدعوة إلى الله.

افتتح المسلمون بلادَ الجيل والديلم في العقدِ الثالثِ للهجرة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب, ودانت تلك البلادُ للدولة الإسلامية, وتعاقبَ على حكمِها بنو أمية وبنو العباس, لكنَّه لم يكنْ لهم همٌّ في إسلام أهل تلك البلاد, بل اقتصرَ همُّهم على جمعِ الأموال, وتحصيلِ الخراج, والمحافظة على رقعة دولتهم, ولم يُسجَّلْ لهم أيُّ عملٍ يُذْكر في هداية تلك المجتمعات, أو نشر مبادئ الإسلام في أوساطهم, بلْ أَعظمُ من ذلك فقدْ كانت تصرفاتُهم وظلمُهم حاجزاً دونَ إسلامِهم, ولذلك استمرَّ أهل تلك البلاد على الديانة المجوسية والوثنية من عبادة النَّارِ والنُّجومِ والأصنام, إلى أنْ جاء الإمامُ النَّاصرُ سنة 287هـ, وبجهودٍ عظيمةٍ ومَساعٍ حَثِيثةٍ وخلال أربعةَ عَشَرَ عاماً من الدعوة والمثابرة استطاع الإمامُ أنْ يدخلَهم في دين الله أفواجاً, ويقنعهم بشريعة الحق جماعاتٍ وأفراداً حتى قيل أنَّه أسلم علي يديه مليون نسمة, يقول ابنُ حزم[12]: "الحسن الأطروش - الذي أسلم على يديه الديلم[13]".

 قال مؤلفُ أخباره: "رأيتُ في يومٍ واحدٍ وقدْ وَفَدَ عليه أربعةَ عشرَ ألف رجل شبانٌ كلُّهم قد أسلموا وأُخِذَتْ عليهم البيعةُ"[14].

ولك أنْ تتصورَ حَجْمَ التَّغيُّرِ العظيم الذي حَدَثَ في تلك المساحةِ الجغرافية في غضونِ أربعةَ عَشَرَ عاماً, على كافةِ المُستوياتِ الدِّينية والإنسانيةِ والاجتماعية والاقتصادية دنياً وآخرة.

لم يكنْ لذلك التحول العظيم والفتح المبين أن يحصلَ ـ في تلك الجغرافيا المترامية الأطراف, وفي تلك المجتمعات التي كانت بلا شك يحكمُها ارتباطٌ تاريخيٌّ وديني وشعبي بدياناتها ـ  لولا أنَّ الإمامَ النَّاصر كان يمتلكُ صفاتٍ استثنائيةٍ بكلِّ ما تحمِلُه الكلمةُ من معنى, وفي هذا السياق يقولُ الدكتورُ أحمد محمود صبحي: "والواقعًُ أنَّه ما كانَ لأَهلِ الدّيلم وطبرستان أنْ يستجيبوا للنَّاصر وأنْ يدينوا بدين الإسلام إلا لأنَّهم وجدوا فيه خُلُقاً يباين تماماً ولاةَ العباسية, كان عالماً زاهداً إذْ يقولُ ليسَ لي شبرَ أرضٍ ولا يكونُ إنْ شاءَ الله, قوياً في الحقِّ مُتمسكاً بقول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( لو أنَّ عبداً قامَ ليلَه وصامَ نهارَه وأنفقَ مالَه في سبيل الله وعبدَ اللهَ بين الركنِ والمَقام ثُمَّ يكونُ أخرَ ذلك أنْ يُذبحَ بين الركنِ والمَقام مظلوماَ لمَا صَعَدَ إلى اللهِ من عملِهِ وزنُ ذرةٍ حتى يُظهِرَ المحبةَ لأولياء الله والعداوة لأعداءِ الله)"[15]

لقد حَسُنَ إسلامُ أهل الدَّيلم, وترسَّخَتْ في قلوبِهم تعاليمُ الدين الحنيف وتَمَكَنت مبادئُه حتى فاقوا في التزامِهم كثيراً ممَّن وُلِدوا وهم يحملون الهويةَ الإسلامية, وظل الدينُ الإسلامي هو السائد في بلادِهِم إلى اليوم, ولقد تحدَّثَ الإمامُ النَّاصر في إحدى خُطَبِهِ عن حُسنِ إسلامِهِم, إذ يقول: "أيُّها النَّاس إنِّي دخلتُ بلادَ الدَّيلم وهم مشركون، يعبُدُون الشَّجرَ والحجرَ، ولا يعرفون خالقاً، ولا يدينون ديناً، فلم أزلْ أدعوهم إلى الإسلام، وأتلطف في العطف بهم حتى دخلوا فيه أرْسالاً، وأقبلوا إليَّ إقبالاً، وظهر لهم الحقُّ، وعرفوا التوحيدَ والعدل، فهدى الله بي منهم زهاءَ مائتي ألف من رجل وامرأة، فهم الآنَ يتكلمون في التوحيد والعدل مستبصرين، ويناظرون عليهما مجتهدين، ويدعون إليهما محتسبين، يأمرون بالمعروف وينهون عن المُنْكر، ويقيمون حدود الصلوات المكتوبة، والفرائض المفروضات، وفيهم من لو وَجَدَ ألفَ دينارٍ مُلقَى على الطريق لم يأخذْ ذلك لنفسِهِ، ويَنْصُبُه على رأس مزراقة ينشده ويُعَرِّفه، ثم قاموا بنصرتي، وناصبوا آباءَهم وأبناءَهُم، وأكابرهم للحرب في هواي، واتباعَ أمري في نصرة الحق وأهله، لا يوليِّ أحدٌ منهم عن عدوه، ولا يعرف غير الإقدام، فلو لقيتَ منهم ألف جريح لم ترَ مجروحاً في قفاه وظهره، وإنَّما جراحتُهُم في وجوههم، وأقدامهم يرون الفرار من الزحف ـ إذا كانوا معي ـ كفراً، والقتل شهادةً وغُنْماً"

شجاعته وجهاده

تدل المواقف البطولية والملاحم العظيمة التي رُويت في سيرة الإمام الناصر عن شجاعة منقطعة النظير, فهو حفيد الوصي عليه السلام صاحبِ بَدْرٍ وحُنين والجمل وصفين والنَّهروان, حتى ذكر أنه في بعض أيامه وقد أتته الخيل والعسكر من ثلاث جوانب من ورائه الخيل وقدامه من الديلم ومن فوقه من الجيل حتى ردهم وهزمهم الله.

وفي كتاب الحدائق الوردية يحكي موقفاً له يدل عن رباطة جأشه وقوة قلبه, وقع في معركة "نورود" العظيمة, والتي سيأتي الحديث عنها, يقول في الحدائق: "وفي الرواية أنه في ذلك اليوم لما اشتد القتال نزل بين الصفين بحيث كانت تصله النبل ودونها, قيل: إنه قيد رمحين, فصلى ركعتين وأخذ من موضع سجوده تراباً ثم ركب فرسه ورمى بالتراب الذي في يده في وجوه أعدائه وقال: (شاهت الوجوه) فانهزموا عند ذلك".

وأعظمُ البراهين على شجاعتِهِ وهمتِه العالية، وعزيمته الصلبة دخولُه بلادَ الجيل والديلم وأكثرُهم كفار, عبدة الأشجار والأحجار, فدعاهم إلى دينِ الله, وقعد بينهم 14 سنة, وكان كلَّما اُضْطر للخروج منها عاد بروح أقوى، ولم تتهيَّأْ له أسبابُ القبول إلا في المرة الخامسة, فكتب الله لذلك الإصرار وتلك العزيمة في الدعوة النجاح؛ فدخلت الجيلُ والديلم في دين الله أفواجا، وأسلم على يديه ألفُ ألفُ نسمة كما تقدم الحديث عنه، وهذه من الحقائق المسلمة التي أقرَّ له بها الموالف والمخالف.

لقد خاض الإمام الناصر معارك عدة وحروباً كثيرة, وكانت كُلُّها معارك اضطرارية بعيدة عن روحِ المحارب المنتقم والمقاتل الذي يقاتل من أجل القتل, ولهذا فقد عُرِف عنه أنَّه في معاركه كان يَرِدُ بين الصفين متقلداً مصحفه وسيفه، ويقول: "انا ابن رسول الله، وهذا كتاب الله، فمن أجاب إلى هذا، وإلا فهذا", فكان يعرض على عدوه الحقَّ، ويدعوه إلى الصدق حتى يتبين السبيل للمغرر بهم وتتضح الطريق للمخدوعين, ويعطي فرصة للتوبة والإنابة للعاصين, فيدعوهم في بادئ الأمر إلى كتاب الله والانصاف, فإن أبوا إلا مكابرةَ الحق ومواجهته, اضطرَّ لحربهم, ولذا تكللت كُلُّ معاركه بالظفر والفوز؛ لأنه كان يحمِل قضية، ويدافع عن حق؛ فكان الله معه مؤيداً وناصراً, وأعظم تلك المعاركة معركة "نورود", كما كان له معارك عدة في الديلم مع آل وهسوان وكان المنتصر في جميعها حتى سلَّم له ملوكُها بالأمر بعد أن يئسوا من الظفر.

وَرَعُه

إنَّ من أهمِّ صفاتِ القائد الورعَ والزهدَ عن الدنيا, وبها يتمكَّنُ من قيادة الأُمَّةِ والسَّير بها إلى مَرافِئِ الاستقرار والعدالة, من دونَ أنْ يكونَ له اهتمامٌ في جمع الأموال وعمارة القصور, ولقد تجلَّتْ صفةُ الورع في شخصية الإمام النَّاصر عليه السلام وحياته فكانتْ نظْرتُه إلى الدنيا باعتبارها متاعاً فانياً وظلاً زائلاً, ولقد دانت له بلادٌ متراميةُ الأطراف, وجُبِيَتْ له الأموالُ من مُختَلَفِ الأصقاع, ومع ذلك فقد ذُكِر عنه أنَّه قالَ: "ما وضعت لبنة على لبنة، ولا آجرة على آجرة"، ولمَّا دخل مدينة آمل ونزل في دار الإمارة لم يشتغل مدة بإصلاحها وترميمها حتى تهدَّمَتْ؛ فقيل له: لو أَمَرتَ بالإصلاح؟ فقال: "إنَّما جِئتُ للتّخريب والهدم لا للعِمَارة والتَّجديد، فلم يعمرْها", وعبارةُ النَّاصر جليةُ المَعْنَى إذ أنَّه لم يَقصُدْ أنَّه جاء لِهَدم المُدُن والقُرى, وإنَّما قصدَ أنَّه جاء لِهَدم سياسات الجبابرة الجائرة ومُمَارساتِهم الخاطئة التي أثْقَلت كاهلَ الرَّعية, وانعَكَست على حياتِهم, واجترحت حقوقَهم والتي تمثلت في تشييد القصور الملكية ونحوها.

وكما لم يَعْمِر له بيتاً وهو إمامُ المسلمين كذلك لم يحصلْ على العقارات، ولم يشتغل بتَمَلُكِ الأراضي, فقد رُوي عنه عليه السلام أنَّه قال: "ليسَ لي شبرُ أرض ولا يكون إنْ شاء الله تعالى، ومهما رأيتموني أقتني ذلك، فاعلموا أنَّي قد خُنتُكم فيما دعوتكم إليه"[16], وهنا تنحني المعاني إجلالاً للإمام الناصر؛ وهي تسمع منه تلك الكلمات الخالدات, فبَعدَ أنْ أقام دولة مترامية الأطراف, واسعة الحدود, على أرض تعتبر من أغنى بلاد العالم, ها هو يخرجُ من الدنيا دون أن يملك شبراً من الأرض, أو أن يكون له بيتاً يملكه, وهنا درسٌ بليغ لحكام المسلمين إن كانوا يعقلون.

ثقته بالله

إنَّ الثقةَ بالله تعني للمؤمن الداعي إلى الله كُلَّ شيء, وما كان للإمام الناصر أن يخرج إلى تلك البلاد الأعجمية ذات التضاريس الصعبة والجبال الوعرة مع ما هم عليه من الشرك بالله وعبادة النار والأشجار والأحجار والنجوم, ويعزم على نفسه أن لا يفارقَهم إلا بعد أن يهديهم إلى الله، ويخرجَهم مما كانوا فيه من الضلال والجهل والانحراف إلا وهو متينُ العلاقة بالله وشديد الثِّقة بربِّه, ولقد حدثت في مسيرته الدعوية, وحياته الجهادية شواهد حية على تلك الثقة المتينة بخالقه, ومنها: أنَّه بعد انتصاره في معركة "نورود" تناهى إلى مسامعه أن أحمد بن إسماعيل الساماني والي خراسان قد خرج من بخارى بجيش عظيم، وقد استنفر كلَّ إمكانياته وجاء بقضّه وقضيضه قاصداً طبرستان؛ لطلب الانتقام عن الهزيمة التي مني بها جيشه من الإمام الناصر، وقد أشاع الساماني أنَّه عازم على خراب طبرستان، وطرد الناصر منها, وأنه عقد الأيمان المغلظة على أن لا يُبقي في الديلم شجرة إلا قلعها، ولا حجرا إلا هدمها، فنزل ذلك الخبر على قلب الإمام الناصر وقلوب أوليائه واشتغلوا به اشتغالاً عظيما, فخرج الإمام الناصر إليهم في يوم من الأيام وهم في مجلسه، وقال: "قد كفيتم أمر هذا الرجل، فقد وجهتُ إليه جيشاً يُكتفى بهم في دفعه"، فقالوا له: أيها الإمام ومن أين هذا الجيش، ومتى انفذتهم؟! فقال: "صليت البارحة ركعتين ودعوت الله عليه!" فما هي إلا أيامٌ قليلة حتى ورد الخبر بأن غلمان الساماني قتلوه، وكُفِيَ رضي الله عنه أمره, قال في الإفادة: "هذه حكاية معروفة مشهورة، قد حدثني بها غير واحد من الثقات".

عفوه

يقول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: "إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه"[17], ولقد تمثل الإمام الناصر عليه السلام صفة العفو ولازمها حتى سار عفوه مضرب الأمثال, فبعد معركة "نورود" والتي تعتبر معركة فاصلة بين الإمام والعباسيين, كان قد تمالأ قبل المعركة عددٌ من أهل طبرستان على التمرد على الإمام والتعاون مع أعدائه، فظنوا حين انتصر الإمام الناصر ودخل طبرستان أن يكون له معهم حسابٌ آخر، وبتعبيرنا أن يصفي حساباته معهم, لكن ذلك لم يحدث، وإنما تعامل الناصر معهم على وفق خلق العفو الذي استقاه من جده رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأعاد إلى الأذهان بذلك الخلق النبوي معهم, قصةَ النبي الأكرم مع مشركي قريش, فحين دخل طبرستان منتصراً امتد إلى جامع  مدينة آمل وصعد منبره وخطب في الناس خطبة بليغة، ثمَّ عنفهم على ما كان منهم من مطابقتهم لأعدائه ومعاونتهم وخروجهم عليه، وكان عتاب الناصح الشفيق, ثم عرًّفهم أنَّه قد عفا عنهم وأمَّن كبيرهم وصغيرهم.

ومن القصص الظاهرة على قيمة العفو في حياة الإمام الناصر الأطروش تعامله مع أحد أبرز قادته, وهو الداعي الحسن بن القاسم في قصة ذكرت في كتب التاريخ نقِف مع خلاصتها: فبعد أن خرج الإمام الناصر من السجن الذي فرضه عليه الحسن بن القاسم, وعلى فداحة الجرم المرتكب ظن الجميع أن الإمام الناصر سينزل على ذلك القائد أقسى عقوبات الخيانة التي أهونها القتل, فما كان من الإمام الناصر إلا أن عفى عنه ولم يمنعه ذلك من أن يضفي عليه لقب الداعي إلى الله وأن يوصي أن يكون صاحب الأمر بعده لما علم صدق توبته وإنابته.

القدوة الحسنة

كانت نظرة الإمام الناصر للنسب النبوي وكونه من سلالة خاتم المرسلين دافعاً للعمل, مستشعراً حديث جدِّه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: ((يا بني هاشم لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم, فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً)), وهذا المعنى هو ما عبر عنه الإمام عليه السلام يوماً ﻷﺻﺤﺎﺑﻪ: "إنِّي لا أُغرَّ نفسي، ولا أخدعها بالأماني، ولا أطمع أن أنال الجنة بغير عمل، ولا أشك في أن من أساء وظلم منا ضوعف له العذاب، وأنا ولد الرجل الذي دلّ على الهدى، وأشار إلى أبواب الخير، وشرع هذه الشرائع، وسنَّ هذه السنن والأحكام، فنحن أولى الخلق باتباعه واقتفاء أثره واحتذاء أمثاله والاقتداء به".

عدالته

لقد شهد على عدالة الإمام الناصر القاصي والداني والموالف والمخالف, ومن تلك الشهادات التاريخية شهادة المؤرخ محمد بن جرير الطبري, ولشهادته قيمة علمية؛ لأن الطبري من أبناء طبرستان وهي المنطقة التي دخلها الناصر عليها السلام بجيشه, أضف إلى ذلك أن الطبري كان سني المذهب، بالإضافة إلى أن الطبري توفي في سنة (310 هـ) أي بعد وفاة الناصر بـ 6 سنين فهو قريب العهد به, يقول الطبري في تاريخه: "ولم يرَ الناس مثل عدل الأطروش، وحسن سيرته، وإقامته الحق"[18]

وقال المؤرخ ابن الأثير: "كان الحسن بن عليّ حسن السيرة، عادلاً، ولم يرَ الناس مثله في عدله, وحُسن سيرته، وإقامته الحقّ"[19]

 يقول ابن خلدون: "وكان هذا الأطروش عادلاً حسن السيرة لم يرَ مثله في أيامه"[20]

قال ابن حزم: "وكان هذا الأطروش فاضلاً، حسن المذهب، عدلاً في أحكامه"[21]

من مظاهر عدالته:

امتنع عليه السلام من تولية أحد أبنائه؛ لأنه لم يكن يرى فيهم مؤهلات قيادة الأمة وتحقيق العدالة, فيسأله أحد قادته ـ وهو وهري بن شهريارـ أن يعهد إلى بعض أولاده، فقال عليه السلام: "وددّت أن يكون فيهم من يصلح لذلك، ولكن لا أستحل فيما بيني وبين الله عزَّ وجل أن أولِّيَ أحداً منهم أمر المسلمين!!"، ثم أشار إلى الحسن بن القاسم وقال: "الحسن بن القاسم أحقُّ بالقيام بهذا الأمر من أولادي وأصلح له منهم فَرُدُّوه!!" ولم يمنعه ما كان أسلفه عنده من إيثار الحق في المشورة به.

وروي عن حسين الحجام قال: كنت جمعت بالجيل والديلم سبعة آلاف درهم بأجرة الإحتنان, حملت من ذلك إلى الناصر ثلاثة آلاف درهم صحاح هدية له، فلم يقبل، وقال: "أنا أحتاج أن أعطيك يا حسين، فكيف آخذ منك؟!".

 وروي عن أبي داوود، قال: جاء رجل جيلي شكسكوهي بزقٍ فيه رُبٌّ إلى الناصر هدية، فقبلها الناصر، وأمر بأن يسلمه إلى خادم له يقال له (لهو)، ثم جاء صاحب الرُبِّ بعد ثلاثة أيام بخصومة ودعوى له على رجل، فلما قدم صاحب الرُبِّ خصمه إلى الدعوى، أمرنا الناصر أن ندعو خادمه، ونأمره برد رُبِّه، فجاء خادمه به فأبى الرجل أخذه، فامتنع أن يأخذه، فلم يتركه الناصر دون قبضه وأخذه.

وروي عن أبي العباس المعروف "بنير" قال: جاء رجلٌ ودفع إلى النَّاصر سفرجلة، فأخذها النَّاصر، وشمَّها، ووضعها بين يديه، فلمَّا كان بعد ساعة، جاء صاحب السفرجلة بخصم له مُدَّعىً عليه، فلما بَصُرَ به النَّاصر كذلك ردَّ إليه سفرجلته من ساعته.

 وروي عن أبي موسى الشيخ سلوس قال: هيأ أخي بالجيل للنَّاصر مائدة من الطعام وحملاً وسموكاً وغيرها، فذهب بها إليه، فقال له النَّاصر: ألك مع أحد دعوى وطلبة؟ فقال: لا، فلمَّا علم ذلك قبلها.

 وروي عن عبد الله بن الحسن الإيواري قال: كنت حملت إلى النَّاصر شيئاً من الفواكه إلى (شالوس)، فامتنع من قبوله، فدنوت منه، وقلت: إن فاطمة عليها السلام قبلت من سلمان هدِّيته وأنت تمتنع ممَّا عملت فاطمة وأخذت واحداً منها، وأدخلته في يده حتى قبض واحداً[22].

ومن مظاهر عدالته أنَّ أحد عُمَّاله اقترح عليه أن يفرض ما كان يفرضه الولاة قبله من آل طاهر من ضرائب على الأموال المستخرجة من كل وادٍ، فامتنع النَّاصر، قال  في الحدائق: "وروي أن بعض عماله ممن رضيه من عمال آل طاهر: ذكر أقاليم الأموال المستخرجة من كل واد، فامتنع النَّاصر من أخذها، فقال الرافع: كان آل طاهر عدولاً، والناس بذلك راضون.

قالوا: وكان مبلغها ستمائة ألف درهم، فقال: أنا ابن رسول الله لا ابن طاهر"[23]

تسامحه المذهبي

لقد استطاع الإمام النَّاصر أن يُدِير بلاداً مختلفة المذاهب والمشارب والاتجاهات من دون أن يّفْرض على أحد مذهباً أو يضيق عليهم في مذاهبهم, فقد حكم مجتمعات بعضُها سنية وبعضُها جعفرية وبعضُها زيدية, فلم يفرضْ على الجميع المذهب الزيدي, وإنما ساس الجميع بالعدل والانصاف, وبذلك استطاع أن يجعل الجميع يشعرون بالرضا تجاه الإمام الناصر وعدله, ولعلَّ أكبر شاهد على ذلك ما شهد له المؤرخ الشهير محمد بن جرير الطبري مع أنه كان سنياً إلا أنه قال أنه لم يرّ الناس مثل عدل الناصر, ومن صور تسامح الإمام الناصر الأطروش المذهبي ما كتبه الإمام الناصر إلى أحد علماء طبرستان أثناء الحرب, قال في تيسير المطالب[24]: روى أصحابنا عن المعروف بأبي بكرٍ محمد بن موسى البخاري، قال: دخلت على الحسين بن علي الآملي المحدث وكان في الوقت الذي كان الناصر للحق الحسن بن علي عليه السلام في بلاد الديلم بعد، وقد احتشد لفتح آملٍ ووردها، والحسين بن علي هذا يفتي العوام بأنهم يلزمهم قتال الناصر للحق عليه السلام ويستنفرهم لحربه ومعونة الخراسانية على قصده، وزعم أنه جهادٌ ويأمرهم بالتجهيز وعقد المراكب كما يفعل الغزاة، قال: فوجدته مغتماً فقلت له: أيها الأستاذ مالي أراك مغتماً حزيناً فألقى إلي كتاباً وَرَدَ عليه، وقال: اقرأْه، فإذا هو كتاب النَّاصر للحق عليه السلام وفيه: يا أبا علي نحن وإياكم خلفٌ لسلفٍ ومن سبيل الخلف إتباع السلف والاقتداء بهم، ومن سلفكم الذين تقتدون بهم من الصحابة عبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة وأسامة بن زيدٍ وهؤلاء لم يقاتلوا معاوية مع علي بن أبي طالبٍ عليه السلام مع تفضيلهم عليا عليه السلام تأولاً منهم أنهم لا يقاتلون أهل الشهادتين، فأنت يا أبا علي سبيلك أن تقتدي بهم ولا تخالفهم وتنزلني منزلة معاوية على رأيك وتنزل عدوي هذا ابن نوحٍ منزلة علي بن أبي طالبٍ عليه السلام فلا تقاتلني كما لم يقاتل سلفك معاوية، وتخل بيني وبينه كما خلى سلفك بينهما، فتكف عن قتال أهل الشهادتين كما كف سلفك، وتجنب مخالفة أئمتك الذين تقتدي بهم ولا سيما فيما يتعلق بإراقة الدماء، فافهم يا أبا علي ما ذكرت لك فإنه محض الإنصاف.

قال: فقلت له: لقد أنصفك الرجل -أيها الأستاذ- فلم تكرهه؟ فقال: نكرهه لأنه يحسن أن يورد مثل هذه الحجة، ولأنه يرد متقلداً مصحفه وسيفه، ويقول: قال أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إني تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي)) فهذا هو كتاب الله أكبر الثقلين وأنا عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحد الثقلين، ثم يفتي ويناظر ولا يحتاج إلى أحدٍ أما سمعت ما قاله في قصيدةٍ له، قال: وأنشد هذا البيت:

تداعا لقتل بني المصطفى .... ذوو الحشو منها ومراقها

صاحب دعوة مستجابة

عرف عن الإمام الناصر أن كان سريع الإجابة ممَّن لو أقسم على الله لأبره، ولقد حكي في سيرته قصصاً وشواهد على ذلك, ومن ذلك ما حكاه في الحدائق: "ﺃﺧﺒﺮﻧﻲ ﻣﻦ ﺃﺛﻖ ﺑﻪ ﺃﻳﻀﺎ ﻭﻫﻮ اﻟﻔﻘﻴﻪ اﻟﻔﺎﺿﻞ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ اﻟﺪﻳﻠﻤﻲ اﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ، ﺃﻥ ﺭﺟﻼ ﻛﺎﻥ ﻳﺤﺘﺮﺏ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻗﺎﺕ، ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻌﻪ ﻛﻠﺐ ﻗﺪ ﻋﻮﺩﻩ ﺃﻧﻪ ﺇﺫا ﺷﺎﻫﺪ ﻣﻦ ﻳﻄﻤﻊ ﻓﻴﻪ ﺃﺭﺳﻠﻪ ﻓﻴﻌﻤﺪ اﻟﻜﻠﺐ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﻌﻮﺭﺓ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﻞ، ﺛﻢ ﻳﺄﺗﻲ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻭﻗﺪ ﻛﻔﺎﻩ اﻟﻤﺆﻧﺔ ﻓﻴﺄﺧﺬ ﻣﺎﻟﻪ، ﻓﺄﻗﺒﻞ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﺫاﺕ ﻳﻮﻡ ﻣﻨﻔﺮﺩا، ﻭﻗﻌﺪ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﻀﻪ ﻳﺄﻛﻞ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎﻡ، ﻓﺄﺭﺳﻞ اﻟﺮﺟﻞ ﻛﻠﺒﻪ ﻋﻠﻴﻪ - ﻋﻠﻰ ﺟﺎﺭﻱ اﻟﻌﺎﺩﺓ ﻓﻠﻤﺎ ﻭﺻﻞ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻗﻌﺪ ﺑﺎﻟﻘﺮﺏ ﻣﻨﻪ ﻭﻟﻢ ﻳﺘﻌﺮﺽ ﻟﻪ، ﻭﺭﻣﻰ ﻟﻪ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎﻡ، ﻭﺃﻗﺒﻞ اﻟﺮﺟﻞ ﻓﺪﻋﺎ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ اﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﺃﻥ ﻳﺴﻠﻂ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻜﻠﺐ، ﻓﺴﻠﻂ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻘﺘﻠﻪ ﺑﻤﺎ ﺟﺮﺕ اﻟﻌﺎﺩﺓ ﺑﺄﻥ ﻳﻘﺘﻞ ﺑﻪ اﻟﻨﺎﺱ، ﻭاﻧﺼﺮﻑ اﻟﻜﻠﺐ ﻣﻊ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻭﺃﻗﺎﻡ ﻣﺪﺓ.

 ﻭﻛﺎﻥ ﺭﺑﻤﺎ ﻳﺤﻀﺮ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻭﺏ ﻓﻴﺆﺛﺮ ﻓﻲ ﺃﻋﺪاﺋﻪ، ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﻳﺎﻡ، ﻭﻋﻤﻞ ﺭﺟﻞ ﻣﺄﺩﺑﺔ ﻟﻠﻨﺎﺻﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ، ﻓﺘﻘﺪﻡ ﻭاﻟﻜﻠﺐ ﺧﻠﻔﻪ، ﻓﻠﻤﺎ اﺳﺘﻘﺮ اﻟﻄﻌﺎﻡ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻧﺒﺢ اﻟﻜﻠﺐ ﻧﺒﺎﺣﺎ ﻋﻈﻴﻤﺎ ﺑﺨﻼﻑ اﻟﻌﺎﺩﺓ ﻭﻫﻢ ﺑﺎﻟﻄﻠﻮﻉ ﻓﻤﻨﻌﻮﻩ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ، ﻭﻛﺎﻧﻮا ﻗﺪ ﻃﻠﻌﻮا ﺇﻟﻰ اﻟﻤﻮﺿﻊ ﺑﺴﻠﻢ، ﻓﺄﻣﺮﻫﻢ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﺑﺄﻥ ﻳﺨﻠﻮا ﺑﻴﻦ اﻟﻜﻠﺐ ﻭﺑﻴﻦ اﻟﻄﻠﻮﻉ، ﻓﻄﻠﻊ ﻭﻭﻗﻒ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻭﺃﻛﻞ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎﻡ ﻗﺒﻞ ﺃﻛﻞ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻓﻤﺎﺕ ﻣﻦ ﺣﻴﻨﻪ، ﻭﻛﺎﻥ اﻟﻄﻌﺎﻡ ﻣﺴﻤﻮﻣﺎ ﻓﺴﻠﻢ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻪ"[25]

ومن القصص على ذلك ما أورده في الإفادة: " واتصل به رضي الله عنه ما عزم عليه أحمد بن إسماعيل والي خراسان من بروزه من بخارى بجيشه وقضّه وقضيضه قاصداً طبرستان، ومتوجها إلى حربه وإظهاره أنَّه يخربها ولا يبقي بالديلم شجرة إلا قلعها لما جرى على عسكره، واشتغل قلبه [أي الناصر] وقلوب أوليائه بذلك اشتغالاً عظيماً.

فلما كان يوم من الأيام خرج إلى مجلسه، وقال: قد كفيتم أمر هذا الرجل، فقد وجهتُ إليه جيشا يُكتفى بهم في دفعه، فقالوا له: أيها الإمام ومن أين هذا الجيش، ومتى انفذتهم؟! فقال صليت البارحة ركعتين ودعوت اللّه عليه! فلما كان بعد أيام ورد الخبر بأن غلمانه قتلوه، وكُفِيَ رضي اللّه عنه أمره. هذه حكاية معروفة مشهورة، قد حدثني بها غير واحد من الثقات"[26].

ترتيب الحياة

تتسم حياة الإمام النَّاصر اليومية بالبساطة والتنظيم، فلم يعيش عيشة الملوك ولم يترك حياتَه من دون تنظيم، وفي تفاصيل حياته دروس لكيفية إدارة الذات وترتيب الحياة، فكان عليه السلام يركب إلى أطراف البلاد, ويمارس الرياضة اليومية فيضرب بالصولجان, وكان يحضر جنائز الأشراف وكبار الفقهاء ولا يفوته أن يلقي عليهم الدروس والمواعظ, فيروى أنَّه عليه السلام حضر عزاء بعض الأشراف فلمَّا سمع البكاء من داره، قال: "من هذا الميت الذي يُبْكى عليه؟ مات حَتْفَ أنفه وعلى فراشه وبين أهله وعشيرته، وإنَّما الأسف على أولئك النفوس الطاهرة التي قُتِلَت تحت أديم السماء، وفُرِّق بين الأجساد والرؤوس، وعلى الذين قتلوا في الحبوس وفي القيود والكبول"، وخطب في هذا المعنى خطبة حسنة، ثمَّ قال: "آه آه في النفس حزازات لم يشفها قتلى بورود".

ولقد كان عليه السلام يخرج إلى الأسواق ويخالط الناس بتواضع جمٍّ وخُلُق قويم, فلم يمنعه منصب الإمامة والخلافة العامة أن يقعد مع الرعية ويلاطفهم ويتفقد أحوالهم وطرق معايشهم, ولم يكنْ يضع بينه وبين العامَّة من النَّاس حجاب ولا بوَّاب ويذكرهم بذلك: "وأنتم معاشر الرعية فليس عليكم دوني حجاب, ولا على بابي بوَّاب, ولا علي رأسي خلق من الزبانية, ولا على أحد من أعوان الظلمة, كبيركم أخي وشابكم ولدي"

قربه من الناس

كان الإمام الناصر عليه السلام مع هيبته في القلوب ومكانته في النفوس يرسم البسمة في وجوه أصحابه، ومن ملح نوادره ما رواه محمد بن علي العبدكي قال: سمعت أبا القاسم عبد الله بن أحمد البلْخي يقول: كنت في مجلس الداعي محمد بن زيد بجرجان، وأبو مسلم محمد بن بحر حاضر، وكُنَّا جميعاً ممَّن يذُبُّ عن الناصر الحسن بن علي في تكذيب من ينسب إليه طلبه الأمر، فدخل [الناصر] والتفت إلى أبي مسلم. وقال: يا أبا مسلم من القائل:

وفتيان صدق كالأسنَّةِ عَرَّسوا .... على مثلها والليل تَرمي غَيَاهبُهْ

لأمرٍ عليهم أن يتم صُدُوره .... وليس عليهم أن تَتِمَّ عواقبُهْ

قال: فعلم أبو مسلم أنَّه قد أخطأ في إنشاد ذلك، لأنه يُستدل به على أنَّه معتقد للخروج وإظهار الدعوة، فأطرق كالخَجِل، وعلمت أنا مثل ما علمه فأطرقت، وفَطِنَ الناصر أيضا بخطئه فخجل وأطرق ساعة وانصرف، فلمَّا انصرف التفت الداعي محمد بن زيد إلى أبي مسلم. فقال: يا أبا مسلم ما الذي أنشده أبو محمد، فقال أبو مسلم: أنشد أيها الداعي.

إذا نحن أُبْنا سالمين بأنفُسِ .... كرامٍ رجَتْ أمراً فخاب رجاؤها

فأنفسنا خير الغنيمة أنها .... تؤبُ وفيها ماؤها وحياؤها

فقال الداعي محمد بن زيد: أو غير ذلك، إنَّه تتنسم رائحة الخلافة من جبينه.

وكان الجحستاني حين ضربه حبسه في بيت الشراب، وفيه زقاق فيها خمر، لأنه علم أنَّه يشتد عليه مقاربة موضع فيه خمر، فكان الناصر عليه السلام يقول: قويت برائحة الخمور. فقيل له: أيها الإمام لو أكرهت على شربها ما لذي كنت تصنع؟ فقال: كنت أنتفع بذلك، ويكون الوِزْرُ على المُكْرِه! وهذا من مليح نوادره ومزحه الذي لا يجاوز الحق.

قال في الإفادة: "ومن مَلِيْح نوادره فيما يتصل بهذا الباب: ما حدثني أبي رحمه الله، قال: كان رضي الله عنه محروراً شديد الحرارة تستولي عليه الحُمَّى إذا تكلم، فكان يوضع بين يديه كوز فيه ماء مُبَرَّد يتجرع منه في الوقت بعد الوقت إذا تكلم كثيراً وناظر في خلال مناظرته، وكان بـ(آمل) شيخ هِمٌّ من العراقيين يعرف بأبي عبد اللّه محمد بن عمرو، وكان يكلمه عليه السلام في مسألة فكان يترشش من فِيْهِ لعاب يصيب الكوز منه، كما يتفق مثله من المشائخ، فأخذ الناصر دفتراً كان بين يديه ووضعه على رأس الكوز، فاتفق أن هذا الشيخ وهو في هداره وحِدَّةِ مناظرته وَلِع بأخذ ذلك الدَّفتر عن رأس الكوز من غير قصد، ولكن كما يتفق من الإنسان أن يولع بشيء من ضجره واحتداده، وفعل ذلك مرتين، وكان الناصر يكلمه وكلما رفعه عن رأس الكوز أعاده إليه، فلما رفعه الرفعة الثالثة أعاده الناصر، ثم التفت إليه فقال: يا هذا ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِيْ العُقَدِ [الفلق: 4].

ومن مليح نوادره ما حكاه في الإفادة من أن الداعي قائد عسكر الإمام الناصر كان قد وقع بينه وبين الإمام الناصر منافرة, فخرج الداعي إلى الديلم، ثم توسط المشائخ والأشراف والفقهاء بينهما وعقدوا الصلح وردوه إليه, يقول الإمام أبو طالب في الإفادة: "فسمعت أبي رحمه اللّه يحكي عن عبد اللّه بن أحمد بن سلام رحمه اللّه، أنَّه قال: أردنا عقيب هذا الصلح أن نتوصل إلى تلقيب الداعي رضي الله عنه، فقلنا للناصر: إن أبا محمد قد شاع في النَّاس استيحاش الناصر منه، فينبغي أن تنعته بنعت وترسم له لقبا يرفع به عنه، قال: ففطن لما نريده ولم يكن ممن يذهب عليه مثل هذه الأغراض وتتمكن من مخادعته، فقال: لقبوه بالتائب إلى الله، فقلنا أيها الناصر نريد غير هذا، فقال: فالراجع إلى الحق، فقلنا: لا. فلم نزل به حتى تنجَّزنا منه تلقيبه بالداعي إلى الله.

أدبه وأشعاره

رويت عن الإمام الناصر أشعارٌ كثيرة, لكن المتتبع لها يجد أنه عليه السلام ـ مع امتلاكه شاعرية مرهفة وقدرة فائقة في قول الشعر ونظمه ـ لم يكن الشعر غاية له، ولا اتخذ الأدب حرفة ولا هدفاً، كما هو حال الشعراء، بل وظَّف أشعاره في خدمة غايته التي عاش من أجلها، ومشروعه الذي ناضل في سبيله، وهنا سنورد لكم نماذج من أشعاره التي تدل على ذلك، ففي بيتين يزهد الناس في الدنيا ويقصر هممهم في خدمتها يقول عليه السلام:

فلا تكن الدنيا لهمك غاية       تناول منها كل ما هو داني

ويكفيك قول الناس فيما ملكته      لقد كان هذا مرةً لفلان

ويأخذ الإمام الناصر عليه السلام نفساً عميقاً بعد جهد متعب وصراع شديد في سبيل غايته وأُمنيته التي هي هداية الناس وتحقيق الحق والعدل لهم، فيقول:

لَهفان جَمُّ وساوس الفِكْرِ .... بين الغِيَاضِ فساحل البحر

يدعو العبادَ لِرشدهم وكأن .... ضُربوا على الآذانِ بالوَقْرِ

مترادف الأحزان ذو جُزَع .... مُرٍ مذاقتهن كالصبر

متنفس كالكير ألهبَه .... نفخ القَيُون وواقد الجَمْرِ

أضحى العدوُّ عليه مجتهدا .... ووليُّه متخاذل النصر

متَبَرِّم بحياته قَلِق .... قد مل صحبة أهلِ ذا الدهر

وقد تتطلب بعض المواقف التعبير عن الذات تشجيعاً وتحريضاً لاختيار القدوة فيتحدث عن نفسه راسماً أهم ملامحها في مقطوعة تظهر مدى تأثره بالقرآن الكريم والتجارة الربانية التي حث عليها المولى جل وعلا في سورة الصف:

شيخ شرى مهجته بالجنة .... واستن ما كان أبوه سنه

ولم يزل علم الكتاب فَنَّه .... يجاهد الكفار والأظنَّه

بالمشرفيات والأسنه

وفي السياق ذاته ولذات الغرض يقول عليه السلام[27]:

واهاً لنفسي من حياتي واها.... كلفتها الصبر على بلواها

وسوغ مر الحق مذ صباها.... ولا أرى إعطائها هواها

أريد تبليغاً بها علياها.... في هذه الدنيا وفي أخراها

بكل ما أعلم يرضي اللهَ 

ولا تغيب عن باله مصائب أهل بيته ومعاناتهم، وما ذاقوه من هذه الأمة فيزفر زفرة كاشفاً عن ما يفعله ذلك الواقع في نفسه وما يتركه من وجع وألم:

ﻭﺑﻲ ﻷﺣﻮاﻝ ﺑﻨﻲ اﻟﻤﺼﻄﻔﻰ  ﻫﻢ ﻟﻪ ﺷﻒ ﻭﺗﺒﺮﻳﺢ

ﻋﺎﺩاﻫﻢ اﻟﺨﻠﻖ ﻓﺬﻭا ﻧﺴﻜﻬﻢ  ﺑﺎﻟﻬﻢ ﻣﻐﺒﻮﻕ ﻭﻣﺼﺒﻮﺡ

ﻓﻲ ﻛﻞ ﺃﺭﺽ ﻣﻨﻬﻢ ﻃﺎﻫﺮ  ﻟﻪ ﺩﻡ ﻓﻲ اﻟﻨﺎﺱ ﻣﺴﻔﻮﺡ

ﻭﻣﻴﺖ ﻓﻲ اﻟﺤﺒﺲ ﺫﻭ ﺣﺴﺮﺓ  ﻭﻣﻮﺛﻖ ﺑﺎﻟﻘﻴﺪ ﻣﺬﺑﻮﺡ

ﻭﻫﺎﻟﻚ ﻳﻨﺪﺏ ﻓﻲ ﺃﻫﻠﻪ  ﺃﻓﻠﺖ ﻣﻨﻪ ﻭﻫﻮ ﻣﺠﺮﻭﺡ

ﻟﻢ ﻳﻨﻘﻤﻮا ﻣﻨﻬﻢ ﺳﻮﻯ ﺃﻧﻬﻢ الساﺩﺓ اﻟﻄﻬﺮ اﻟﻤﺮاﺟﻴﺢ

ﺩﻋﻮا ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ ﻓﻨﺠﻮاﻫﻢ  ﻓﻲ اﻟﻠﻴﻞ ﺗﻘﺪﻳﺲ ﻭﺗﺴﺒﻴﺢ

 وفي بيتين قيل أنهم آخر ما جادت بهما قريحته يشرح فيها حالته وقد أصبح شيخاً كبيراً يتكئ على عصا ولا يخفى ما فيهما من جمال التشبيه وبراعة النظم:

ﺃﻧﺎﻑ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺒﻌﻴﻦ ﺫا اﻟﺤﻮﻝ ﺭاﺑﻊ * ﻭﻻ ﺑﺪ ﻟﻲ ﺃﻧﻲ ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ ﺭاﺟﻊ

ﻭﺻﺮﺕ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﺗﻘﻮﻣﻨﻰ اﻟﻌﺼﺎ * ﺃﺩﺏ ﻛﺄﻧﻲ ﻛﻠﻤﺎ ﻗﻤﺖ ﺭاﻛﻊ

محطات من حياة الإمام

نشأته العلمية ورحلته إلى العراق[28]

ولد الإمام النَّاصر الأطروش عليه السلام في المدينة المنوَّرة، وفيها ترعرع ونشأ في طلب العلم على يد علماء أهل البيت عليهم السلام، لكن إقامة في العراق لم تدم طويلاً فسرعان ما انتقل إلى العراق، وعلى الرغم من أنَّ المراجع التاريخية التي اطلعنا عليها لم تحدد تاريخ انتقال الإمام النَّاصر الأطروش، لكن من المحتمل أنه أُخِذَ مع أبيه[29], وهناك واصل الإمام الناصر تلقيه للعلوم الشرعية على كبار علماء أهل البيت وشيعتهم, فكان يتنقل بين بغداد والكوفة, فكان أبرز مشائخه شيخ الإسلام محمد بن منصور المرادي, والحسن بن يحيى العلوي, وأخيه الحسين وغيرهم من علماء الزيدية وجمع علوم القرآن والحديث والعقيدة والفقه والأخبار واللغة وسائر العلوم حتى صار من كبار أئمة العلم والدين وواحداً من أبرز علماء المسلمين.

عاش الإمام الناصر سنينه الأولى في ظل خلافة المتوكل العباسي الذي أشتهر عنه تشدده وإخلاصه في ظلم أهل البيت وتضييق الخناق عليهم، فعاين الإمام الناصر ما نال أهله من الظلم والاضطهاد وفي مقدمتهم والده الذي وضع تحت الإقامة الجبرية في سامراء، وهو ما غرس في نفسية الإمام معاني التضحية والفداء وصدق الانتماء وحب الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

دخوله طبرستان[30]

بعد أن بلغ الإمام الناصر في العلم مبلغاً عظيماً هاجر من بغداد إلى طبرستان؛ بعد أن تنامى إلى سمعه قيام الإمام الداعي الحسن بن زيد[31] سنة 250هـ ونجاحه في إقامة دولة عادلة على أرض طبرستان؛ وهو ما دفع كثيراً من أهل البيت في الحجاز والعراق وأطراف الشام للهجرة إلى طبرستان بما فيهم الإمام الناصر.

يقول ابن اسفندار مؤرخ طبرستان (من أعلام القرن السابع الهجري): "وحينئذ وصل من السادة العلويون وبنو هاشم بما يزيد على أوراق الشجر من الحجاز وأطراف الشام والعراق وذلك للالتحاق بخدمة الحسن بن زيد فقدم في حقهم كل ألوان المبرات والتكريم وبلغ الأمر أنه كلما أراد أن يضع قدمه في الركاب كان يلتف من حوله ثلاثمائة علوي بسيوفهم المشهرة, ويقول السيد الإمام الناصر الكبير الحسن بن علي (الأطروش) في ذلك الوقت:

كـم ابن زيد حين يغدو بقومه     بدور سماء حوله أنجم زهر

فيا بؤس قوم صبحتهم خيوله     ويا نعم قوم نالهم جوده الغمر[32]

فيكون الإمام الناصر من تلك الكوكبة من أهل البيت الذين التحقوا بالإمام الداعي, وقد لازم الإمام الناصر مقام الإمام الداعي حتى توفي[33], فقام بالأمر بعده أخوه الإمام محمد بن زيد[34] فاستمر عنده.

ولمكانة الإمام الناصر الجليلة ومنزلته الرفيعة للإمام كان الداعيان الحسن بن زيد وأخوه محمد يعظمانه ويُجِلانه ويعرفان فضله ويقران بعلمه, وقد حاولا معه مراراً أن يلي لهما شيئاً من الأعمال لكنه امتنع.

ولقد لازم الناصر الإمامين الداعيين بالنصيحة الخالصة والصراحة الصارمة، وعلى الرغم ما أشتهر عنهما من العدالة حتى صارت عدالتهما مضرب الأمثال إلا أن الناصر كان جريئاً في بذل النصح لهما؛ دقيقاً في ملاحظة تحقيق العدالة منهما وقد حُكيَ الإمام محمد بن زيد طلب منه أن يتقلد القضاء, فأبى فأكرهه عليه فتقلده، فلما جلس أول يومه أتاه محمد بن زيد إجلالاً له وتعظيماً لشأنه فأمر القائم على رأسه وهو في مجلس الحكم بأن يأخذ الإمام محمداً فيقعده بين يديه.

فقال محمد: لم آتك مخاصماً ولا لأحد قبلي دعوى، فما هذا؟

قال له: بلى عليك دعاوي كثيرة، فإن كنت قلدتني القضاء فإني أبدأ بإنصاف الناس منك، ثم أقضي بين الناس.

خروجه إلى نيسابور[35]

في أثناء إقامة الإمام الناصر في طبرستان خرج إلى نيسابور وكانت تحت سيطرة محمد بن عبدالله الحجستاني[36], وفي نيسابور ألتف حوله القادة والعامة من الناس لما رأوا فيه من مخائل الصلاح والتقوى، فشرع في الدعوة للثورة وإزالة الظلم، وقد شجع الإمام على ذلك طمع الناس في التخلص من ظلم الجحستاني، لكن المنافقين سعوا به لدى حاكم نيسابور وأخبروه بما عزم عليه الإمام الأطروش، فأخذه وأودعه السجن وضربه بالسياط ضرباً عظيماً, حتى قيل أنه وقع سوط على أذن الإمام الناصر فأصابه منه طَرَشٌ[37].

عودة الإمام الناصر إلى طبرستان

جاء في كتب التاريخ كالإفادة والمصابيح أن الإمام الناصر لم يطل بقاؤه في سجن الجحستاني, فحين بلغ الإمام[38] محمد بن زيد محنة الإمام الناصر, وإيداعه السجن كتب رسالة إلى الحاكم الجحستاني في إطلاق سراح الإمام الناصر, فأطلق سراحه وعاد الناصر إلى طبرستان. 

رحلته إلى الديلم[39]

استمر الإمام الناصر في طبرستان وبالتحديد في مدينة جرجان في ظل دولة الإمام محمد بن زيد، إلى أن وقعت المعركة الذي استشهد فيها الإمام محمد بن زيد وذلك سنة 276هـ[40],  وأستولى العباسيون على طبرستان، وهو ما اضطر الإمام الناصر إلى الخروج منها؛ فخرج إلى الري[41] ونزل بدار محمد بن الحسن بن محمد بن جعفر الحسني, وفي أثناء إقامته بالري كاتبه ملك الديلم جستان[42] يطلب منه القدوم عليه، وأنه يريد التوبة والعودة إلى الله, كان الإمام الناصر يدرك أن جستان رجل فاجر ومراوغ وأنه يبطن بذلك أمراً أخر غير التوبة؛ ولذلك لم يستجب له في بادئ الأمر، وكتب إليه بأنه لا يثق بوعوده, وليس يأمن أن لا يفي بما يعده به, لكن جستان لم ييأس من استمالة الإمام الناصر، فعزز كتابه بكتب أخرى، وذكر في مكاتبته في المرة الثالثة: "فإنك إن نهضت فهو كما قلت، وإن أبيت فقد ألزمتك الحجة في ذلك، وأنا أشهد الله على ذلك وكفى بالله شهيداً"، وأكدَّ على وفائه بأيمان مغلظة بذلها.

حينها لم يجد الإمام الناصر بُدًّى بينه وبين الله إلا الخروج إليه؛ لإقامة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فخرج إليه ومعه أولاده.

وصل الإمام الناصر إلى جستان فبدأ في إظهار التوبة والاقلاع عن معاصيه، ولقد كان لجستان ستون امرأة فطلقهن ولم يبق معه إلا أربع نسوة.

 لم تدم توبة جستان طويلاً, فقد تبين أخيراً أن استقدام جستان للإمام الناصر لم يكن لغرض التوبة كما أظهر وإنما أراد الاستعانة بالإمام على حربه لصاحب طبرستان، قال في الإفادة، ص115: "وقد كان قبل مفارقته له أحوج إلى مساعدته على ورود باب آمل لحرب الخراسانية، وقد كان جستان أظهر أن الأمر له، وسار تحت رايته فزعا من الخرسانية وقَصْدِهم إياه، ولم يكن الناصر رضي الله عنه يثق بوفائه ويعلم أنَّه إن ظفر عاد إلى عادته، فلم يتشدد في الحرب ولم يثبت ثبات مثله، فصارت الغلبة للخراسانية وانهزم الناصر وجستان".

بعد هزيمة جستان أمام والي طبرستان، اضطر إلى عقد صلح معه، وحاول أن يغريه بالأموال حتى يكف عنه خطره فارسل إليه بالأموال والهدايا، وعندها عاد جستان لحالته الأولى من الفجور والفساد، وهو ما حمل الإمام الناصر على مفارقته والخروج إلى سهل الديلم، وعرض الإسلام على من بقي من أهلها على الكفر، قال في الإفادة: " وطال مقامه إلى أن تهيأ له الخروج من عنده، فخرج إلى سهل الديلم وعرض الإسلام على من بقي منهم على الكفر".

ثم خرج من سهل الديلم إلى جيلان في سنة 287هـ, وبدأ في عرض الإسلام على أهل الجيل فأسلموا كلهم على يديه.

كان الإمام الناصر يتنقل بين الجيل والديلم فكان يقيم في مدينة هوسم للاهتمام بأمر الجيل, وتارة في كيلاكجان فيراعي أمر الديلم.

وأقام الإمام (14) سنة في بلاد الجيل والديلم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، "وأزال الرسوم الجائرة التي وضعها آل وهشوذان على الديلم، واستنقذهم مما كانوا فيه من الضيم في الأنفس والأولاد والأموال"[43]، وجن جنون جستان حين رأى البلاد تستجيب للإمام الناصر وبدأت تتلاشى حكومته، فقاد معارك وحروباً ضد أنصار الإمام الناصر، "فكانت الدائرة على جستان، وزال سلطان جستان عن سهل الديلم جملة، وانحسم طمعه عنها، وتخلصوا من قبيح ظلمه لهم، وحكمه في أهاليهم وأولادهم واسترقاقه لهم"[44], وحين انحسر ملك جستان ولمع نجم الإمام الناصر, "اضطر جستان في الأخير إلى مبايعته وحلف له بالأيمان المغلظة أنه لا يخالفه ووفي بذلك وصار من اتباعه"[45].

أثمرت جهود الإمام الناصر ودعوته إلى الإسلام في تلك البلدان النائية في دخول الناس في الدين أفواجاً، حتى قيل أنه أسلم على يديه مليون نسمة, ولقد بايعه ألف ألف رجل بالغ مدرك ملتح، سوى النساء والمراهقين، وتحول أهالي الجيل والديلم من دين المجوسية ودخلوا في دين الله أفواجاً وبنوا المساجد، وتعلموا القرآن وتبصروا في الدين، وتسموا بأسامي المسلمين.

قال مؤلف أخباره: "رأيت في يوم واحد وقد وفد عليه أربعة عشر ألف رجل شبان كلهم قد أسلموا وأخذت عليهم البيعة"[46].

فتح طبرستان

 لما توطد أمر الإمام الناصر في الجيل والديلم بدأت الخلافة العباسية تخاف من قوة نفوذه واتساع ملكه فكتبت إلى واليها على خرسان وما وراء النهر أحمد بن إسماعيل بن أحمد الساماني بمحاربة الإمام الناصر, فتحرك الوالي العباسي فجمع من نواحي خرسان جيشاً قوامه 30)) ألفاً لحرب الناصر، وكتب إلى نائبه بطبرستان محمد بن علي المعروف بصعلوك بالتوجه إلى آمل ليكون على قيادة ذلك الجيش, فخرج الجيش الخرساني إلى منطقة تدعي (شالوس).

حين علم الإمام الناصر بتحركات العباسيين، خرج من الجيل والديلم في جيش يتراوح ما بين سبعة آلاف إلى عشرة آلاف مقاتل ليس معه من السلاح وآلات الحرب ما كان للخرسانية, وكان قائد جيش الناصر الحسن بن القاسم, والتقى الجيشان بموضع يقع بين شالوس وارفوا على ساحل بحر قزوين يقال له "بورود"[47].

وقعة نورود

وقعت بين الجيشين وقعة عظيمة اشتهرت بوقعة نورود، وكان ذلك في يوم الأحد في شهر جمادى الأولى سنة 301 هـ، وقد انتهت الوقعة بانتصار الإمام الناصر على الجيوش العباسية التي كان قوامها من أهل خرسان، "ومنح الله الإمام الناصر أكتافهم ونصره عليهم فانهزموا أقبح هزيمة، وقُتِلُوا شر قتلة، وبلغ عدد المقتولين نحو عشرين ألفاً، بين مقتول بالسلاح وغريق في البحر، كانوا إذا أقبلوا إلى الظهر اخذتهم الرايات، وإذا ولَّوا واقتحموا البحر غرقوا"[48].

وبهذا الانتصار الذي حققه الإمام الناصر انتهت شوكة العباسيين عن طبرستان وجيلان, وبدأت دولة عادلة يقودها الإمام النَّاصر الأطروش, والذي أعاد للدين الإسلامي الحنيف رونقه ولمعانه, فبعد أن هدى الخلق إلى الله وفتح قلوبهم إلى الإسلام, توجه ليطبق لهم أسس الإسلام ويقيم فيهم منهج القرآن والسنة النبوية.

محاولات بائسة لاستعادة طبرستان

 بعد الهزيمة التي تعرض لها العباسيون في معركة نورود, حاول أحمد بن إسماعيل الساماني أن يسترد طبرستان، فجمع الجيوش وجند الجنود، لكن الله تعالى أبطل مكره وأزهق باطله, بأن سلط الله عليه غلمانه فقتلوه، وقد أورد ذلك ابن الأثير فقال في أحداث سنة 301 هـ: "وفي هذه السنة قُتل الأمير أحمد بن إسماعيل بن أحمد السامانيُّ صاحب خراسان وما وراء النهر، وكان مولعاً بالصيد، فخرج إلى فربر متصيّداً، فلمّا انصرف أمر بإحراق ما اشتمل عليه عسكره، وانصرف، فورد عليه كتاب نائبه بطبرستان، وهو أبو العبّاس صعلوك، وكان يليها بعد وفاة ابن نوح بها، يخبره بظهور الحسن بن عليّ العلويّ الأطروش بها، وتغلّبه عليها، وأنّه أخرجه عنها، فغمّ ذلك أحمد، وعاد إلى معسكره الذي أحرقه فنزل عليه فتطيّر الناس من ذلك.

وكان له أسدٌ يربطه كلّ ليلة على باب مبيته، فلا يجسر أحد أن يقربه، فأغفلوا إحضار الأسد تلك الليلة، فدخل إليه جماعة من غلمانه، فذبحوه على سريره وهربوا، وكان قَتْله ليلة الخميس لسبع بقين من جُمادى الآخرة سنة إحدى وثلاثمائة[49]".

هكذا أورد ابن الأثير القصة ولم يشير إلى أن الساماني جهز جيشاً للانتقام من الناصر واستعادة طبرستان منه, وما أغفله ابن الأثير ذكره الإمام أبو طالب الهاروني في الإفادة: "واتصل به رضي الله عنه ما عزم عليه أحمد بن إسماعيل والي خراسان من بروزه من بخارى بجيشه وقضّه وقضيضه قاصداً طبرستان، ومتوجها إلى حربه وإظهاره أنَّه يخربها ولا يبقي بالديلم شجرة إلا قلعها لما جرى على عسكره، واشتغل قلبه [أي الناصر] وقلوب أوليائه بذلك اشتغالا عظيما.

فلما كان يوم من الأيام خرج إلى مجلسه، وقال: قد كفيتم أمر هذا الرجل، فقد وجهتُ إليه جيشا يُكتفى بهم في دفعه، فقالوا له: أيها الإمام ومن أين هذا الجيش، ومتى انفذتهم؟! فقال صليت البارحة ركعتين ودعوت اللّه عليه! فلما كان بعد أيام ورد الخبر بأن غلمانه قتلوه، وكُفِيَ رضي الله عنه أمره", ثم يقول الإمام أبو طالب: "هذه حكاية معروفة مشهورة، قد حدثني بها غير واحد من الثقات"[50].

دخول الإمام الناصر آمل

بعد الانتصار توجه الإمام الناصر إلى آمل، وكان ذلك في جمادى الآخرة، فاستقبله مشائخها وفقهاؤها فاعتذروا إليه عن فعلهم ومعاونتهم للعباسيين في قتاله فعفا عنهم، كما عفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أهل مكة يوم الفتح المبين.

وامتدَّ الإمام الناصر إلى جامع  مدينة آمل وصعد منبره، وخطب في الناس خطبة بليغة اشتملت على المواعظ البالغة والحكم الجليلة، ثم عنفهم على ما كان منهم من مطابقتهم ومعاونتهم لأعدائه وخروجهم عليه، ثم عرًّفهم أنَّه قد عفا عنهم وأمَّن كبيرهم وصغيرهم.

في الحدائق الوردية وأمالي أبي طالب عن أبي الحسين الزاهد صاحب أخبار الناصر للحق عليه السلام، أن الإمام الناصر حين دخل آمل خطبة فيهم وقد ازدحم عليه طبقات الرعية، جاء فيها: "أيها النَّاس إني دخلت بلاد الديلم وهم مشركون، يعبدون الشجر والحجر، ولا يعرفون خالقاً، ولا يدينون ديناً، فلم أزل أدعوهم إلى الإسلام، وأتلطف في العطف بهم حتى دخلوا فيه أرْسالاً، وأقبلوا إليَّ إقبالاً، وظهر لهم الحق، وعرفوا التوحيد والعدل، فهدى اللّه بي منهم زهاء مائتي ألف من رجل وامرأة، فهم الآن يتكلمون في التوحيد والعدل مستبصرين، ويناظرون عليهما مجتهدين، ويدعون إليهما محتسبين، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون حدود الصلوات المكتوبة، والفرائض المفروضات، وفيهم من لو وجد ألف دينار ملقى على الطريق لم يأخذ ذلك لنفسه، وينصبه على رأس مزراقة، ينشده ويُعَرِّفه، ثم قاموا بنصرتي، وناصبوا آباءهم وابناءهم، وأكابرهم للحرب في هواي، واتباع أمري في نصرة الحق وأهله، لا يوليِّ أحد منهم عن عدوه، ولا يعرف غير الإقدام، فلوا لقيت منهم ألف جريح لم تر مجروحاً في قفاه وظهره، وإنما جراحتهم في وجوههم، وأقدامهم يرون الفرار من الزحف ـ إذا كانوا معي ـ كفراً، والقتل شهادةً وغُنْماً.

وأنتم ـ أيضاً ـ معاشر الرعية، فليس عليكم دوني حجاب، ولا على بابي بواب، ولا على رأسي خلق من الزبانية، ولا أحد من أعوان الظلمة، كبيركم أخي، وشبابكم ولدي، لا آنس إلا بأهل العِلْم منكم، ولا أستريح إلا إلى مفاوضتكم، فسلوني عن جميع أمر دينكم، وما يغنيكم من العِلْم، وتفسير القرآن، فإنا نحن تراجمته وأولى الخلق به، وهو الذي قُرِن بنا، وقرنا به. فقال أبي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي كتاب اللّه، وعترتي أهل بيتي )). واللّه ولي توفيقكم لرشدكم، وحسبي اللّه وحده، وعليه توكلت وإليه أنيب[51].

بعد أن أنهى الإمام الناصر خطبته بايعه فقهاؤها ومشائخها ومنهم من بايعه في مدينة شالوس.

 

الأثار الطيبة لفتح الناصر لطبرستان

قلنا سابقاً ونعيدها هنا أن الإمام الناصر كان غوثاً وملاذاً لأهل تلك البقاع, ولقد كسر بدولته رتابة العصور, وأبطل نظريات الدهور حول الملوك والفاتحين, ففي كل الدنيا حين يدخل ملك بلاداً فاتحاً يتبرم عليه أهلها ويعتبرونه غازياً وعدواً لما يمارسه الملوك من فساد "إن الملوك إذا دخلوا قريتنا أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة"، لكن الإمام الناصر بعدالته وهديه النبوي غيَّرَ تلك النظرة, وهيأ ظروفاً جعلت أهل طبرستان ينظرون إليه كغوث لهم مما هم فيه من الظلم, وأبدوا ارتياحهم البالغ وعدوه فتحاً وغوث من أول يوم لدخوله، ويرجع هذا الارتياح المبكر لعدة أسباب، منها:

ـ أولاً أن الإمام الناصر كان قد سكن طبرستان من قبل وعاش بينهم أكثر من 20 سنة، وعرفوه عن قرب وكانوا يعظمونه ويجلونه مع اختلاف مذاهبهم حتى روي أن من هيبة الناس له ومحبتهم إياه خاف منه الإمامان الحسن بن زيد وبعد أخوه الإمام محمد بن زيد، فهو شخصية لها وزنها ولها اعتبارها في قلوب أهل طبرستان.

ـ ثانياً لا شك أن أخبار الإمام الناصر وإسلام أهل الجيل والديلم المجاورين لطبرستان قد تناهت إلى أسماع أهلها، وهذه الأخبار قد لاقت القبول والرضا؛ لأن إسلام تلك الأعداد الكبيرة مدعاة للمسرة واحترام من حقق هذا النجاح في نفس كل مسلم، وهو ما عاظم مكانة الإمام الناصر عند أهل طبرستان.

ـ ثالثاً كان أهل طبرستان يعانون من ظلم الولاة العباسيين، وكانوا في نفس الوقت متعطشين للعدالة دولة أهل البيت، فما زالت ماثلة في عقولهم دولة الإمامين الحسن بن زيد وأخيه محمد الذي أجمع المؤرخون على اشتهارهما بالعدل، إذن خير من تحقق لهم تلك العدالة شخصية من أهل البيت عليهم السلام، ومن كالإمام الناصر الذي عرفوا فضله وطهارته.

ويدل على ذلك أن أهل طبرستان كانوا يقولون: "دفع الله عنا بدخول الناصر أربعين لوناً من الظلم والجور المكشوف سوى ما يدق منه[52]"

عمل الإمام الناصر منذ توليه الأمر على تأمين حقوق الناس وبسط العدل بينهم ورفع الظلم وما كانوا يعانون منه من الولاة العباسيين، وكان أول عمل قام به أن رفع عنهم الضرائب التي كان الولاة يفرضونها عليهم وخيرهم بين الخراج والعشر فاختار أوساطهم العشر وكبارهم الخراج.

شواهد ودلائل العدالة في دولة الناصر

كل الشواهد التاريخية المتعددة المصادر دالة على أن دولة الإمام الناصر كانت مثالاً للعدالة وأن الناس في ظله كانوا ينعمون بالخير والعدل والرفاه، وفي هذه النقاط السريعة نلقي نظرة على ذلك:

ـ شهادة المؤرخ الطبري وثناؤه على الإمام الناصر ووصفه كما تقدم بأن الناس لم يشاهدوا كعدل الناصر وأنه كان حسن السيرة، والطبري من أهل طبرستان وممن عايش تلك الحقبة فقد توفي عام 307هـ، أي بعد دخول الإمام الناصر طبرستان بست سنوات.

ـ تفاني وإخلاص الناس للإمام الناصر وكشاهد على هذه الحقيقة يحكي التاريخ ما تعرض له الإمام الناصر من الحسن بن القاسم أحد قادة الإمام، فقد قام باعتقال الإمام ووضعه في قلعة اللارز، وهو ما أثار الناس على ذلك القائد، وقد عبر عن ذلك أحد الفرسان والقادة وهو ليلى بن النعمان، والذي كان غائباً عن الإمام في مهمة عسكرية في ناحية الجرجان في موضع يقال له سارية وما إن بلغه الخبر حتى أسرع راجعاً ودخل على الحسن بن القاسم وخاطبه بلهجة شديدة الحدة: ماذا صنعت بأبينا؟ ـ يعني الناصر ـ، أهذا حقه عليك وعلى الجماعة؟ فقال: إنَّه لم يُفْرِج عن المال، ولم يطعم العساكر ما لابد لهم منه من الخبز. فقال له: والأب إذا لم يطعم الخبز يُحبَس؟! ثم ركب وعدل برايته إلى جانب وصاح: من كان متبعا للحق ومريداً له فليعدل إلى هذه الراية, فالتف أغلبية أنصار الحسن بن القاسم تحت تلك الناصر وكانوا كما قال في الإفادة: قد ندموا على ما بدر منهم، إلا عدداً يسيراً, عندها أحس ذلك ابن القاسم بخطئه أعطى خاتمه وأنفذ ليل بن النعمان من يخرج الناصر من القلعة.

وحين خرج الإمام الناصر من القلعة ودخل أمل كان استقبال أهلها له استقبالاً استثنائيا فيروي والد الإمام أبي طالب الهاروني وكان شاهداً على ذلك اليوم فيقول: "وقد استقبله أكثر أهل البلد صغيرهم وكبيرهم، وكان على بغلة، فكاد النَّاس يقلعون بغلته من الأرض لازدحامهم عليه وخدمتهم له. ورأيته وهو يدفع النَّاس عن نفسه بطرف مقرعته إذا تكابسوا عليه تمسحا به وتقبيلا لرجله حتى كادوا يزيلونه عن المركوب، يشير بها وينحِّيهم عنه"[53].

هذا الاستقبال المهيب وذلك التحول إلى راية ليلى بن النعمان يدل دلالة على المحبة التي غرسها بعدله في قلوب الناس وإلا لو كان الإمام الناصر فرض حكومته بالقوة والسلطان لما تمكن من العودة إليها ولاستغل أهلها حبسه على نزع ولايته وتولية غيره لكنهم لم يفعلوا ذلك بل كان منهم العكس.

إقامة الإمام الناصر بآمل ودولته العادلة

إن الدول العادلة في التاريخ الإسلامي عزيزة الوجود، ولن يجد الباحث فيما مضى من تاريخ هذه الأمة إلا تلك النماذج الطاغوتية التي جثمت على صدرها وأذاقتها ويلات الظلم والاضطهاد، وعلى الرغم من تلك الحالة السوداوية إلا أن هناك حالات ناصعة لدول عادلة كانت حاضرة في تاريخ المسلمين، ومن تلك الدول دولة الإمام الناصر الأطروش.

 لقد استطاع الإمام الناصر أن يقيم دولة عادلة ذائعة الصيت, بلغت شهرتها الآفاق وشهد لها القريب والبعيد، لقد دخل الإمام الناصر إلى طبرستان وقد أرهق أهلها الظلم وعانوا من الجور والاستبداد من قبل الولاة، وكانت الحالة الاجتماعية السائدة سيئة للغاية، وأفراد الشعب مرهقون بدفع الأموال الطائلة إلى الحكام، فوجدوا في الإمام الناصر المنقذ والفرج.

لقد أقام الإمام الناصر دولة مترامية الأطراف يحكي في الإفادة: "وتمكن من (طبرستان) كلها، من (شالوس) إلى (سارية)، وأعمالها، ومن الرويان وَ(كَلاّر) وما يتصل بها، ورتب العمال في هذه البلدان والنواحي، وولى القضاء زيد بن صالح الحسني.

وكان ينظر في الأمور بنفسه، وبَسَطَ العدل، ورفع رُسُوْمَ الجور، وعقد مجالس النظر، وكان الفقهاء يحضرونه ويكلمونه في المسائل ويكلمهم ويناظرهم"[54].

اختار الإمام الناصر أن تكون مدينة آمل عاصمة لدولته الفتية ومنها نشر العدل ووزع الولاة وأقام رسوم العدالة وأزال عن كاهل الرعاة الأتاوات والضرائب المفروضة من قبل من حكم تلك البقاع قبله كما تقدمت الإشارة إليه واستمرت دولة الإمام الناصر "ثلاث سنين وأشهراً[55]"    

وفاته

توفي عليه السلام في مدينة آمل في شهر شعبان سنة 304هـ، وعمره 74 سنة.

ولقد كان من آخر أشعاره قصيدة أولها:

أناف على السبعين ذَا الحولَ رابعُ .... ولا بُدَّ لي أني إلى الله راجع

ويقول فيها:

وصرت أبا جدٍ تقومني العصا .... أدُبُّ كأني كلما قمت راكع

وكان عليه السلام في مرضه الذي توفي فيه لا تفوته صلاة بوضوء إلى أن أثقل فكان يومي إلى الوضوء بيده فيوضؤونه ويأخذ في الصلاة حتى فاضت روحه إلى بارئها وهو ساجد.

دفن عليه السلام بمدينة آمل، وعمر له مشهد فيها وفي مشهده، ومشهد الإمام الهادي إلى الحق يقول الشاعر:

عرج على قبر بصعـ          ـدة وابك مرموساً بآملْ

واعلم بأن المقتدي              بهما سيبلغ حيث ياملْ

نعم توفي الإمام الناصر وغيب جسده الثرى وغادرت روحه إلى بارئها في جوار النبيين والصديقين لكنه بقي مثلاً أعلا للمستبصرين, وقدوة حسنة للدعاة إلى الله في شتى أرجاء العالم، فحياته الحافلة بالخير والعطاء, والسعي لإنقاذ الناس من الجهل والكفر والظلم ما زالت خالدة في أنصح صفحاته, وكأنها دورة من دورات الحياة التي لم تتكرر كثيراً على وجه الأرض..

 

 

[1] عمر الأشرف هو ابن زين العابدين وأخو الإمام زيد لأمه وأبيه، وهو أسن من الإمام زيد وكان محدثاً فاضلاً ولي صدقات الإمام علي عليه السلام عاش خمساً وستين سنة ويكنى أبا حفص وقيل أبا علي. كل هذا نقلاً من كتاب المجدي في الأنساب.

[2] لم تحدد المصادر التاريخية التي بأيدينا سنة ولادته ولا سنة وفاته, لكنه من طبقة الإمام القاسم الرسي عليه السلام وقد كان مولد القاسم الرسي سنة (169هـ), فإذا فرضنا أن والد الناصر ولد في سنة ولادة الإمام القاسم الرسي فيكون وفاته سنة (246هـ) لأنه كما ذكر العمري في كتابه المجدي أنه تعمر(77) سنة, فيكون عمر ولده الإمام الناصر عند وفاته (16) سنة لكن هذا يستبعده أننا بعد التتبع لما بين يدينا من المصادر لروايات الإمام الناصر لم نجد أن الإمام الناصر روى عن والده, وعليه فيكون ولادة والد الإمام الناصر متقدمة عن ولادة الإمام القاسم الرسي, وإذا افترضنا عدم رواية الإمام الناصر عن والده لوفاة والده وهو ما زال في سن الرابعة لأن من يكون في هذا السن يضعف عن الرواية فيكون ولادة والد الإمام الناصر في سنة (157هـ) ووفاته (234هـ) . استفيد هذا التحقيق من جواب للباحث العلامة الكاظم الزيدي

[3] في كتاب لب اللباب في تحرير الأنساب ص57: العسكري: بفتح أوله والكاف وراء إلى عسكر مكرم مدينة بالأهواز وإلى عسكر مصر قلت: هي خطة بها انتهى وعسكر سر من رأى وعسكر المهدي, وقال في الأنساب المتفقة ص34: الثالث منسوب إلى عسكر سامرّا التي بناها المعتصم لمّا كثر عسكرُه وضاقت عليه بغداد وتأذّى به الناس وانتقل إليها بعسكره وسّميت العسكر وذلك في سنة 331 [ هكذا في الكتاب كما في المكتبة الشاملة وهذا خطأ واضح لأن المعتصم ولي الخلافة 218هـ توفي 227هـ/ فلعل التاريخ الصحيح أنه كان في سنة 221]فمن نُسب إلى العسكر بالعراق فلأجل سكناه سامرّا ومنهم من ينسب إلى سامرّا ولا يقال له العسكري وفيهم كثرة ويتميزون برواياتهم الرابع منسوب إلى قضاء عسكر المهدي وهو محمد بن عبد الله أبو بكر أحد أصحاب الرأي كان يتولّى القضاء بعسكر المهدي وهو ممّن أشتهر بالاعتزال وكان يُعدّ من عقلاء الرجال"، أما في الأنساب للسمعاني ج4/ ص194: وجماعة ينسبون إلى عسكر سر من رأى الذي بناه المعتصم، لما كثر عسكره وضاقت عليه بغداد وتأذى به الناس، فانتقل إلى هذا الموضع بعسكره، وبنى بها البنيان المليح، وسمي: سر من رأى ويقال لها: سامرة وسامراء.

وسميت " العسكر " لان عسكر المعتصم نزل بها، وذلك في سنة إحدى وعشرين ومائتين.

[4] عمر بن الفرج الرخجي: أحد جلاوزة بني العباس ولاه المتوكل العباسي على المدينة ومكة, فشد وطأته وظلمه على ذرية علي بن أبي طالب, وقد ذكر في كتاب الطبري ص306: "أنه ضرب الإمام يحيى بن عمر بن حسين بن الإمام زيد", وعمر بن فرج هو من أشخص القاسم بن عبدالله بن الحسين بن زين العابدين, كما في المقاتل ص158, وفي تاريخ بغداد ج5/ ص422, وقد اسرع الله له العقوبة فقد سخط عليه الخليفة العباسي المتوكل كما في تاريخ الإسلام للذهبي ج4/ ص318, فأخذ منه ما قيمته مائة وعشرون ألف دينار. ثم صالحه على أن يرد إليه ضياعه على ماله. ثم غضب عليه وصفع ستة آلاف صفعة في أيام، وألبس عباءة. ثم رضي عنه، ثم سخط عليه ونفاه. توفي ببغداد.

[5] في كتب التاريخ ذكر عدة وقائع لتعرض الطالبين للحبس في سامراء, ففي المقاتل ص154: أن أبا الساج(أحد قادة المتوكل العباس) قيد الإمام محمد بن صالح بن عبدالله بن موسى الجون وحمله إلى سامراء هو وجماعة من أهله, وفيه وغيره كما سبق في بعض الحواشي تعرض بعض الطالبين للجلب من المدينة. إلى سامراء على يد القائد العباسي عمر بن فرج الرخجي.

[6] كانت أم فاضلة وذكر في المقاتل أن الإمام محمد بن القاسم الطالقاني نزل في دارها حين طارده بنو العباس فقال في ص392: قال علي بن محمد الازدي: فحدثني ابنه علي بن محمد بن القاسم الصوفي: انه لما صار إلى واسط عبر بها دجلة إلى الجانب الغربي، فنزل إلى ام ابن عمه علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين، وكانت عجوزا مقعدة، فلما نظرت إليه وثبت فرحا به وقالت: محمد والله، فدتك نفسي واهلي، الحمد لله على سلامتك، فقامت على رجلها، وما قامت قبل ذلك بسنين، فأقام عندها مديدة، ومرضته من الوهن الذي اصاب ظهره حتى مات بواسط.

[7] ابن أبي الرجال, مطلع البدور ج3/ ص140

[8] مطلع البدور ج2/ ص190.

[9] أن تكون الواقعة حصلت في نيسابور استشكل بالآتي: أن من ذكر أنها في نيسابور ذكر أنها في زمن الإمام محمد بن زيد وهو الذي توسط في اخراجه من السجن بينما في كتاب الكامل أن الخحستاني قتل في سنة268هـ بينما تولى الإمام محمد بن زيد الإمام في سنة 270هـ, وتحكي كتب التاريخ أن الخحستاني دخل جرجان في زمن الإمام الحسن بن زيد واستولى عليها فيكون سجن الإمام الناصر في تلك المعركة التي طرد الخحستاني الإمام الحسن بن زيد من جرجان وفيها ناله الطرش.

[10] الإمام أبو طالب, الإفادة, ص112

[11] الإمام مجدالدين المؤيدي, التحف شرح الزلف, ص206

[12] جمهرة أنساب العرب, ص1 بحسب صفحات المكتبة الألكترونية.

[13] وفي الكامل في التاريخ, ج3/ ص394 ما لفظه: وكان الحسن بن عليّ الأطروش قد دخل الديلم بعد قتل محمّد بن زيد، وأقام بينهم نحو ثلاث عشرة سنة يدعوهم إلى الإسلام، ويقتصر منهم على العشر، ويدافع عنهم ابن حسّان ملكهم، فأسلم منهم خلق كثير، واجتمعوا عليه، وبنى في بلادهم مساجد ومثله في تاريخ ابن خلدون ج3/ ص367, وفي تأريخ الخلفاء ص157: وفيه أسلم الديلم على يد الحسن بن علي العلوي الأطروش وكان مجوسياً. وفي تاريخ ابن خلدون ج1/ ص200 : ثم قام بهذه الدعوة في الديلم الناصر الاطروش منهم وأسلموا على يده

[14] الإمام أبو العباس الحسني, المصابيح, ص545

[15] أحمد صبحي, اﻟﺰﻳﺪﻳﺔ 192

[16] مآثر الأبرار، ج2/ ص29

[17] نهج البلاغة، ص770.

[18] تاريخ الطبري, ج5/ ص679

[19] الكامل في التاريخ, ج3/ ص396

[20] تاريخ ابن خلدون، ج3/ ص367

[21] جمهرة أنساب العرب, ص22

[22] ابن أبي الرجال, مطلع البدور, ج3/ ص136

[23] المحلي، الحدائق الوردية، ج2/ ص57.

[24] الإمام أبو طالب, تيسير المطالب, ص134.

[25] المحلي، الحدائق الوردية، ج2/ ص61.

[26] الإمام أبو طالب, الإفادة, ص123

[27] الزحيف، مآثر الأبرارج2/ ص30

[28] ذكر في مطلع البدور أن من طلبة الناصر وملازميه شيخ العراق المسند عبدالله بن الحسن الأيواري وقرأ عليه النصوص فلينظر هل كان ذلك في العراق أم في آمل لكنه حكى في آخر ترجمة الأيواري أنه حمل إلى الناصر شيئاً من الفواكه إلى شالوس

[29] وقد رجح الباحث العلامة الكاظم الزيدي في جوابه عن انتقال الناصر إلى العراق: " أن ذلك تقديراً وتتبعاً في سنة (233هـ), وعمر الإمام الناصر (ع) ثلاث سنوات تقديراً, حيث كانت ولادة الإمام الناصر (ع) في المدينة النبوية, وهذا هو أول عهد المتوكل العباسي"

[30] إقليم يقع في شمال إيران ممتد على الساحل الجنوبي لبحر قزوين عبر سلسلة جبلية تعرف اليوم بسلسلة جبال ألبروز وكان يضم قديماً مدناً كآمل وجرجان وشالوس

[31] الإمام الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام, (219هـ /270هـ) وهو الداعي في بلاد الري وطبرستان وقزوين وجرجان ونيسابور, وموطد دعائم الزيدية في تلك البلاد.

[32] ابن اسفندار, تاريخ طبرستان, ص104.

[33] توفي الإمام الداعي الحسن بن زيد في 3/ رجب/ 270هـ

[34] محمد بن زيد أخو الإمام الداعي الحسن بن زيد دعا إلى الله بعد وفاة أخيه الحسن

[35] مدينة في مقاطعة خرسان شمال شرق إيران قرب العاصمة الإقليمية مشهد.

[36] في الكامل لابن الأثير أحمد بن عبدالله الخجستاني وأنه استولى على نيسابور في 262 وذكر في مقتله ما يأتي: ذكر قتل الخجستاني

لما كان الخجستاني بطخارستان وافاه خبر أخذ والدته من نيسابور، وسار مجدأن فلما قارب هراة أتاه غلام لأبي طلحة، يعرف بينال ده هزار، مستأمناً فأتاه خبره قبل وصوله، وكان للخجستاني غلام اسمه رامجور على خزائنه، فقال له كالممازح له: إن سيدك ينال ده هزار قد استأمن إلي، كما علمت، فانظر كيف يكون برك به. فحقدها عليه رامجور، وخاف أن يقدم ذلك الغلام عليه، ويطلب الفرصة ليقتله.

وكان لأحمد غلام يدعى قتلغ، وهوعلى شرابه، فسقاه يومأن فرأى في الكوز شيئأن فأمر به فقلعت إحدى عينيه، فتواطأ قتلغ ورامجور على قتله، فشرب يوماً بنيسابور عند وصوله من طايكان، فسكر ونام، فتفرق عنه أصحابه، فقتله رامجور وقتلغ، وكان قتله في شوال سنة ثمان وستين ومائتين، وأخذ رامجور خاتمه فأرسله إلى الإصطبل يأمرهم بإسراج عدة دواب، ففعلوأن فسير عليها جماعة إلى أبي طلحة وهو بجرجان يعلمه الحال، ويأمره بالقدوم، ثم أغلق رامجور الباب على أحمد واختفى.

وبكر القواد إلى باب أحمد، فوجدوا باب حجرته مغلقأن فانتظروه ساعة طويلة، فرابهم الأمر، ففتحوا الباب فرأوه مقتولأ فبحثوا عن الحال، وأخبرهم صاحب الاصطبل خبر رامجور في إنفاذ الخاتم، فطلبوه فلم يجدوه، ثم وجدوه بعد مدة.

وكان سبب إطلاعهم عليه أن صبياً من أهل تلك الدار التي هوبها طلب ناراً فقيل له: ما تعلمون بالنار في اليوم الحار؟ فقيل: نتخذ طعاماً للقائد؛ قيل: ومن القائد؟ قال: رامجور؛ فأنهوا خبره إلى بعض القواد، فأخذوه وقتلوه. ج3/ ص299.

[37] في رواية وهي الأقرب أن تعرض الإمام الناصر للسجن إنما كان في جرجان وهو في جيش الإمام الداعي, ويذكر في كتاب الكامل أن الوقعة بين الخجستاني والإمام الداعي كانت عام( 266هـ), وقد ذكر في الإفادة اختلاف الرواية في تعرض الإمام الناصر للسجن هل كان في نيسابور أم في جرجان, قال في الإفادة: وذكر بعض من صنف أخباره، أن ذلك في ناحية جُرْجَان لما وردها الجحستاني وانحاز عنها الحسن بن زيد، وأُحْوِج عليه السلام إلى الإقامة هناك، فسعى به بعض من كان وقف على أمره، فأخذه واعتقله وضربه بالسياط ضرباً عظيماً، ووقع سوط في أذنيه فأصابه منه طَرَشٌ، واستقصى عليه بأن يعترف بما كان منه، ويعرفه أسامي أصحابه، فثبت على الإنكار، ثم أفرج عنه، وقيل: إن محمد بن زيد كاتبه في معناه والتمس منه تخلية سبيله، فعاد إلى جرجان، وقيل: إنَّه تخلص بخروج الجحستاني من جرجان، وهذا قول من ذكر أن النكبة اتفقت عليه بناحية جرجان.

 وإنما قلنا أن تكون في جرجان لأن من يروي أنها وقعت في نيسابور يقول أن ذلك كان في ولاية الإمام محمد بن زيد وإذا كانت ولاية الإمام محمد بن زيد بدأت من عام 270هـ فهذا يضعف ذلك لأن الخجستاني مات في عام 268هـ.

[38] ينظر في ذلك ما تقدم في الحاشية إلا أن يكون محمد بن زيد كتب إلى الخجستاني في عهد أخيه الحسن.

[39] يحد الديلم من الجنوب قزوين والصرم وشيء من آذربيجان وبعض الري ويتصل بها من الشرق بقية الري وطبرستان ومن الشمال بحر الجزر ومن المغرب شيء من بلاد آذريبيجان

[40] هكذا في التحف والتاريخ لأحمد الهادي أما في كثير من المصادر التأريخية أن الوقعة كانت في 287هـ / وكانت المعركة بين الإمام الداعي محمد بن زيد وأحد قادة إسماعيل الساماني والي العباسيين / ويظهر أنه بعد خرجت طبرستان من سلطة أهل البيت واستولى عليها العباسيين إلى أن دخلها الإمام الناصر ثانية سنة 301هـ كما سيأتي.

[41] في المصابيح أنه كان بآمل فلينظر

[42] في الحدائق أن جستان كان متزوج بجدته ج2 / ص55

[43] الامام أبو طالب: الإفادة ص114.

[44] الامام أبو طالب: الإفادة، ص114.

[45] الإمام أبو طالب: الإفادة, ص115

[46] علي بن بلال: تتمة المصابيح، ص545.

[47] الإمام أبو طالب: الإفادة، ص115.

[48] الإمام أبو طالب: الإفادة، ص115.

[49] ابن الأثير, الكامل في التاريخ, ج3/ ص393

[50] الإمام أبو طالب: الإفادة, ص123

[51] الإمام أبو طالب, الأمالي,ج1/ ص239

[52] علي بن بلال: تممة المصابيح،

[53] الإمام أبو طالب, الإفادة, ص121>

[54] الإمام أبو طالب, الإفادة ص118

[55] هكذا في الإفادة, وفي المصابيح وثلاثة أشهر ص544

حصن ظفار

حصن ظفار

تزخر اليمن بالكثير من المعالم الأثرية والمواقع التاريخية، وهو ما يكشف الدور المهم الذي لعبته اليمن في مختلف العصور، والمستوى الحضاري والمعماري الذي وصلت إليه عبر الدهور، وكأن اليمن والحضارة سيان أو فرسا رهان، وبلا شك وأنت تطوف في حصون اليمن ومواقعها الأثرية العتيقة سيشدك حصن ظفار داوود الحصن الضارب في صلب التاريخ، ومدينته العامرة بالآثار الحضارية والتي قلَّ أن تجد لها مثيلاً في ربوع اليمن السعيد، وقد كُتِبتْ حوله الكثير من الدراسات، ولفتَ انتباه واهتمام المئات من الباحثين في التاريخ والآثار.

وقبل الحديث عن ظفار داوود سنلقي نظرة سريعة على المعالم والمناطق اليمنية الأخرى التي أطلق عليها اسم ظفار كتمهيد وتهيئة؛ فقد أطلق اسم ظفار على العديد من المناطق اليمنية؛ وهي كالآتي:

  1. ظفار صعدة وهو واقع في بلاد همدان الشام.
  2. ظفار حصن في صنعاء كان يسمى قرن عنتر، وهو يحاذي أرتل وسناع[1].
  3. ظفار بني سويد، وهو واقع في منطقة آنس بمحافظة ذمار، وكان يطلق عليه أشيح، يقول المقحفي: أشْيَح بفتح أوله: حصن شهير بالمناعة والعزة، وموقعه في بني سويد من بلاد آنس، ويعرف الآن بحصن ظفار، وهو في الشمال الغربي من ضوران بمسافة 30كم[2].
  4. ظفار حمير وهي مدينة أثرية هامة في رأس جبل العرافة الواقع جنوب يريم بمسافة 17 كم، وكانت العاصمة الثانية للدولة الحميرية بعد مأرب وكان بها قصر ريدان، وهي اليوم قرية صغيرة في مديرية السدة[3].
  5. ظفار الحبوضي وهو عبارة عن مدينة تقع في ساحل حضرموت.
  6. ظفار الظاهر وهو موضوع هذه المقالة.

وذكر المقحفي في كتابه معجم البلدان[4] منطقتين أخريين يطلق عليهما ظفار أحدُهما قرية في منطقة العذارب بجبل بعدان الشامخ فوق مدينة إب، والأخرى محلٌّ في جبل خضراء من مديرية حبيش بالشمال الغربي من إب أيضاً.

 

الموقع الجغرافي والتسمية

أما التسمية فيطلق عليه ظفار ذي بين؛ نسبة إلى مدينة "ذي بين" التابعة لمحافظة عمران، وظفار داوود؛ نسبة إلى داوود بن الإمام المنصور بالله، كما يسمى بظفار الظاهر[5].

والإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة هو من أطلق عليه اسم ظفار؛ تفاؤلاً بالنصر والظفر، ولقد كانت هذه التسمية موفقة للغاية حتى قيل: أنه ما جهزت منه سرية ولا عسكراً إلا كتب لها الظفر والنصر.

وقد كان يسمى قبل ذلك (أكمة الفتح) أو (أكمة أبي الفتح) نسبة إلى الإمام أبي الفتح الديلمي الذي التجأ إليه في حروبه مع الصليحيين كما سوف يأتي.

أما الموقع الجغرافي فيقع ظفار على جبل شاهق شمال شرق مدينة ريدة، ويبعد عنها (30) كم تقريباً، وهو يطل من الجنوب الغربي على وادي ذيبين، ومن الجنوب على وادي جبار، ومن الجنوب الشرقي على شوابة، ومن الشمال الغربي على وادي ورور[6].

أهمية ظفار

تكمن أهمية ظفار في موقعه الاستراتيجي كونه يقع بين جبال شاهقة تمثل تحصينات طبيعية، بالإضافة إلى وقوعه بين ثلاث قبائل مشهورة وهي مرهبة من الشمال والغرب، وأرحب من الجنوب، وسفيان من الشرق، وهذه القبائل قد تعهدت بحماية ظفار وحماية من يسكن فيه من علماء وأئمة وطلبة علم[7].

 ولهذا ظل ظفار لقرون حصناً منيعاً، وملجأ للمجاهدين والمقاومين في مواجهة الحركات الطامعة في اليمن وصدِّ كلِّ غازٍ وقمعِ كل عميل، ابتداءً من الصليحيين ومروراً بالأيوبيين ووصولاً إلى العثمانيين، وهكذا تكاملت الوظيفة الأساسية لظفار في هذه المهمة المقدسة، وهي في الواقع الدافع الأول لبنائه كما سوف نعرف؛ ولهذا فقد جاء في كتب التاريخ أن ما من سرية خرجت من الحصن إلا عادت بالظفر والنصر، وما من غازٍ همَّ بغزو الحصن إلا تجرع الخيبة والهزيمة.

شهد ظفار بعد بنائه تحولاً نوعياً، فلم يعد مجرد حصن يتحصن فيه المجاهدون فقط، بل صار عاصمة الدولة اليمنية يسكنها بعض أئمة اليمن الكرام ويشهر البعض الآخر دعوتهم منها، فلم يعد ظفار مجرد حصن وسور فقد توسع حتى أصبح مدينة كبيرة تضم فيها البنايات العظيمة والأسواق المشهودة والمساجد والمدارس وخزانات المياه إلى غير ذلك من مقتضيات ومتطلبات الحياة المدنية.

ومن الأئمة الذين انطلقت دعواتهم للإمامة من ظفار الإمامُ إبراهيم بن تاج الدين، والإمام على بن محمد، والإمام صلاح الدين بن علي بن محمد، كما اتخذه الإمام المنصور بالله وعدد من القادة عاصمةً لدولتهم.

أما اليوم بعد خراب ظفار بفعل إهمال الدول المتعاقبة، وغارات طائرات العدوان المصري عام 1962م التي تسببت في نزوح سكانه، فقد غابت عنه مظاهر الحياة وتهدمت معظم آثاره، وأصبح أنقاض معلمٍ أثري وبقايا تحفةٍ معمارية جَارَ عليها الزمان وأهملها الإنسان.

تاريخ ظفار

يزعم المقحفي[8] أن ظفار كان به أثار معمارية تعود إلى عهد ما قبل الإسلام، لكنه لم يورد أي دليل تاريخي أو غيره على ذلك، وبالرجوع إلى المصادر التاريخية لم نجد أي ذكر لوجود أي أثر حمير أو سبئي في تلك الشواهق التي أقيم عليها حصن ظفار، بل إن المؤرخ اليمني ابن دعثم في كتابه سيرة الإمام المنصور بالله حرص على ذكر تفاصيل أحداث ومراحل بناء حصن ظفار بمساعي وإشراف الإمام المنصور بالله، ولم يذكر في أثناء ذلك وجود أي آثار معمارية سابقة لذلك، أو أن العمال في بنائهم استفادوا من بقايا أي أثر عمراني، وإن كان ثمة آثار لما غفل عن ذكرها، بل أشار ابن دعثم أن الأحجار كانت تقطع من الجبال بالحديد، وأن بعضها جلب من صنعاء، وهذا ينفي كلام المقحفي ويقطع بما لا يدع مجالاً للشك أن الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليه السلام أولُ من عمر تلك الحصون وشيدها.

وقد ذكر المقريزي في كتابه درر العقود الفريدة أن الإمام أبا الفتح الديلمي الذي تولى الإمامة في سنة 430هـ قد اختط حصن ظفار[9]، وهو كذلك في مآثر الأبرار للزحيف، لكنهما لم يذكرا أن الإمام أبا الفتح الديلمي قام فيه بأي بناء، وإنما التجأ له في حروبه مع الصليحيين.

سبب بناء ظفار

شهد اليمن في نهاية القرن السادس ومطلع القرن السابع مواجهات عنيفة مع القوات الأيوبية الغازية التي حاولت إخضاع اليمن لسلطانها، في تلك الأثناء كان الأيوبيون قد تمكنوا بعد حملات عدة من السيطرة على صنعاء ومعظم المناطق الواقعة إلى جنوبها، بينما أخفقت تلك القوات الغازية في إخضاع المناطق الشمالية لصنعاء؛ نتيجة المقاومة الشرسة التي قادها الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة ومعه قبائل بكيل وحاشد.

 كان القائد الأيوبي (وردسار) شديد الحرص على إفشال حركة التحرر التي قادها الإمام المنصور بالله عليه السلام، وإخضاع مناطق شمال صنعاء لسلطان الأيوبيين، فشنَّ حملات عدة على ريدة وخمر وحوث وما جاورها، وفي ظل هذه الحملات كان أبناء تلك المناطق يفرون من قُراهم ومدنهم ويتركونها للنهب والسلب من قبل القوات الغازية، ومن هنا بدأت تتشكل فكرة بناء حصن في تلك المناطق يحمي كتائب المقاومة والجهاد، فكان رأي الإمام المنصور بالله عليه السلام ومعه كبار مشايخ تلك البلاد وعلى رأسهم الشيخ عزوان بن أسعد السريحي[10] أن يكون بناء الحصن على شاهق جبل قريب من ذي بين كان يعرف حينها (بأكمة الفتح)، فتمَّ تشييده، ثم أطلق عليه الإمام اسم ظفار كما تقدم.

بناء ظفار

يعود بناء مدينة ظفار والقلاع والحصون المحيطة بها إلى مطلع القرن السابع الهجري وبالتحديد في سنة ستمائة للهجرة بأمر وإشراف من الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليه السلام والذي يعد أحد أعظم أئمة اليمن، وقد شهدت اليمن في عصره نهضة علمية واقتصادية ومعمارية لم تشهد مثيلها في غيره من العصور.

مرَّ بناء مدينة ظفار والحصون المحيطة بها بمراحل عدة، وتم في زمن قياسي مقارنة بضخامة المنجز وإتقانه، فقد كانت حملات الأيوبيين على مناطق شمال صنعاء تحتم على الإمام سرعة إنجاز بناء ظفار، ولذلك فبعد أن أجمع رأي الإمام مع مشايخ الظاهر وعلى رأسهم الشيخ غزوان بن أسعد السريحي على صلاحية تلك الجبال لتكون حصناً منيعاً توجه الإمام في الحال من شوابة إلى مدينة حوث، فأمر بتجهيز الآلات والنفقات الضرورية من طعام وغيره، واستغرقت مدة التجهيز ثمانية أيام[11].

 بعدها انتقل الإمام على وجه السرعة إلى ظفار؛ ليباشر العمل ويشرف عليه، وكان الشروع في البناء في يوم الاثنين الموافق العشرين من شوال سنة ستمائة للهجرة، وقد كان خطة العمل أن يكون العلم في مسارين فيقسم العمال إلى فريقين فريق يعمل في بناء السور والآخر في حفر الخندق[12].

ومن أجل الإسراع في الإنجاز عمد المسئولون على المشروع على تقسيم فترات العمل إلى فترتين فترة نهارية تبدأ من الشروق إلى ما بعد الظهر، وفترة مسائية تبدأ من بعد الظهر إلى جزء من الليل.

ما قيل من الأراجيز أثناء العمل

كان الإمام عبدالله بن حمزة عليه السلام حاضراً أثناء العمل في ظفار، وكان يشارك العاملين بنفسه في العمل، وكان حضوره حافزاً للعاملين، وفي سبيل شحذ العزائم كان الإمام عليه السلام ينظم لهم الأراجيز التي تدفعهم إلى العمل وتبث فيهم النشاط، وكان يأمرهم بترديدها في أثناء العمل، ومن تلك الأراجيز:

تمسية لنا مع الغروب   تذهب بالأحزان والكروب

وتؤذن الفساق بالهروب   رموا بداء غير ذي طبيب

ينصرنا مقلب القلوب     على ولاة الظلم والعيوب

ومنها:

لا يستوي من يكسب المكارما     ويحمل الأثقال والعظائما

ومن يكون في الحروب نائما

ومنها:

لا يستوي من يركب الصعابا     ويضرب الهامات والرقابا

ويفتح الأقفال والأبوابا          ومن يكون وعده سرابا

ومن إذا دعا الخنا أجابا

ومن الأراجيز التي أنشأها العمال:

لئن قعدنا والإمام يحفر         فذاك منا عمل مخسر

وهكذا مضى البناء يكتمل شيئاً فشيئاً، وكلُّ يوم يكشف عن إنجاز جديد وجهد جبار وعمل دؤوب، ولأننا أمام مدينة جديدة تُعْمَر من الصفر يحيط بها أربعة حصون، وتضم أسواراً، وأسواقاً، وصهاريج مياه، ومساجد، ومساكن؛ وقد استغرق العمل عليها عدة سنوات، وسوف نتحدث بحسب ما لدينا من مصادر في تفاصيل كل عمل وحجمه، وما في سياق الحديث من تفاصيل ما ضم ظفار من آثار معمارية.

ظفار

إن الزائر  لظفار يلاحظ أنها تتكون من عدة حصون وقلاع، وفي كل حصن توجد المساجد والأسواق والبنايات الشاهقة والقصور المنيفة والبرك، ويمكننا أن نقسم ظفار على النحو التالي:

مدينة ظفار

مدينة ظفار هي أول مدينة أنشأها الإمام المنصور بالله عليه السلام، وبعد أن أكملها توجَّه عليه السلام إلى عمارة دار الحجر ثم إلى عمارة القاهرة، أما قلعتا القفل وتعز بظفار فلا نعلم متى عمرت.

ومدينة ظفار الباقية اليوم هي عبارة عن جزأين: الأول يقع على جبل ظفار ويوجد به قبر الإمام ومسجده.

والثاني: هو المدينة السفلى وتقع بين حصن القاهرة وحصن دار الحجر، وفيها آثار مسجد كبير متهدم، وبجواره بركتان، وفيها برك أخرى وبعض الآثار، وفي صرح المسجد قبرٌ عليه لوح كتب فيه: هذا قبر السيد الإمام حجة الله على الأنام ينبوع الحكمة رباني هذه الأمة عز الدنيا والدين سيد أهل البيت المطهرين محمد بن أبي القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن الحسين بن سعيد بن الحسين بن أحمد بن محمد بن عبدالله بن يحيى المنصور بالله بن أحمد الناصر لدين الله بن الهادي إلى الحق، توفي قدس الله روحه يوم السبت في ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وسبع مائة للهجرة.[13]

وقد أمر الإمام المنصور عليه السلام ببناء مدينة ظفار بين الحصنين بحيث يضمها السور[14]، وقسمها بين من أحب من عشائره وأهل بلاده، فلم تمض ثلاثة أحوال حتى ضاقت بأهلها وصار الواحد من الناس يطلب المكان اليسير إلى الخمسة الأذرع أو الأربعة الأذرع بمال عظيم فلا يجده، وصار فيها سوق عظيم ترده القوافل من نواحي البلاد[15].

 

قلاع وحصون ظفار

وتحيط بمدينة ظفار أربع قلاع؛ وهي كالتالي:

ـ دار الحجر: وهو قلعة تقع في الجهة الشمالية الشرقية من المدينة، وقد بني حولها من جهتي الشمال والشرق سور ضخم، وتركت بقية الجهات كونها محصنة طبيعياً فهي من هذه الجهات عبارة عن حيود شاهقة شديدة الانحدار مما يجعل تسلقها وصعودها صعب المنال، وللسور باب من الجهة الشرقية، ومساحة هذه القلعة أكبر من مساحة المدينة.

قال الشرفي: وكان ابتداء عمارة الحجر في سنة إحدى وستمائة وسمَّاه ظفاراً فقَدَّم عِمَارةَ سُوره ومواجله واستقى إليه الماء من الموضع المعروف بالمولدة[16].

ـ القاهرة: وهي قلعة غنية بالآثار العظيمة تقع على أكمة في الجهة الشمالية من مدينة ظفار، وقد ضمها سور كبير وفيه نوب وأبراج دفاعية في جهتي الشرق والشمال، وللسور باب واحد.

وقد كانت بداية العمارة فيها في شهر جماد الآخرة سنة 610هـ، وكان المسؤول عن بنائها الأمير دحروج، قال الشرفي: وأمر الإمام عليه السلام بعمارة الحصن المسمى بالقاهرة، وهي أكمة منيعة مسامتة لظفار في جمادى سنة عشر وستمائة، فتجرد لعمارتها الشيخ دحروج، فجمع القطاع والبناء، فلم تمض إلا أيام إلا وقد أحكم ما يحتاج إليه من تحكيم القطوع والسور والمناهل على أحكم ما يكون وأحسنه وأقواه وأرصنه، وقد قسمها الإمام بين خواصه ووزرائه وبني عمه وغيرهم من المهاجرين والمرابطين لما كثر عددهم وضاقت بهم المنازل حتى حلُّوا في الكهوف كما فعل في الحصن الأول[17] (الحجر).

ـ القفل: هي قمَّة واقعة في الجهة الجنوبية من مدنية ظفار وتطل على وادي بني جبار وشوابة، وهي محصنة من جميع الجهات.

ـ تعز: وهي قلعة تقع في الجهة الغربية من المدينة لها سور ضخم في جهتين، والجهة الثالثة محصنة بوعورتها التي تمنع الصعود إلى القلعة، ومن الجهة الغربية مفتوحة.

قال الأكوع[18]: ويقع (ظفار) في رأس جبل يحيط به من الشمال حصن القاهرة ثم يقع أدنى منه دار الحجر، وتقع المدينة بين دار الحجر والقاهرة وهي خراب، ومن الجنوب القفل، ومن الشرق قضف المنصورة ورأس المدينة، ومن الغرب (تعز) و(الظفة).

أهم الآثار التاريخية

احتوى ظفار على كثير من الآثار التاريخية، ومنها:

السور العظيم

هو سور عظيم قد أحاط بقلعتي القاهرة والحجر وقد أمر الإمامُ المنصور عليه السلام الأميرَ نظام الدين الفضل بن علي بن المظفر العباسي العلوي ببنائه، وذلك سنة ستمائة واثنتي عشرة للهجرة، وقد استعان الأمير المذكور في بناء السور بقبيلتي بكيل وحاشد وسألهم العون في هذا السور فأجابوه[19].

مسجد الإمام المنصور

يعدُّ مسجد الإمام المنصور بالله تحفة معمارية تعكس الفن المعماري الذي وصل إليه الإنسان اليمني في ظل دولة أهل البيت عليهم السلام، وقد كان بناء المسجد سنة 602هـ، بأمر من الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليه السلام.

والمسجد عبارة عن بناء مستطيل الشكل يتجه ضلعه الصغير إلى الشمال، وله بابان الأول في الجدار الجنوبي والآخر في الجدار الشرقي، ويتكون من بيت الصلاة ورواق القبلة ورواقين جانبيين، وتشرف تلك الأروقة على صحن شمسي في الوسط وهو بهذا يحاكي نمط العمارة الإسلامية الغالبة في بناء المساجد الكبيرة التي عرفت بها العواصم الإسلامية في ذلك الزمان.

وقد أقيم في منتصف الضلع الجنوبي للصحن الشمسي ضريح أمام البوابة الجنوبية كما أقيم ضريح أخر في الزاوية الجنوبية الشرقية، وهما ضريحان مربعان أقيمت عليهما قبتان وسوف نأتي للحديث عنهما لاحقاً، أما في الجهة الشرقية فتوجد بركة للماء إضافة إلى منارة المسجد المرتفعة والمزخرفة حيث إنها بنيت بالآجر المحروق.

وتعتبر زخارف المسجد آية في الجمال والإبداع، وهي زخارف انتشرت في معظم أجزاء الجدران الداخلية خاصة جدار القبلة والمحراب، وقد نفذت هذه الزخارف بالجص بأشكال زخرفية قوامها تفريعات ووريقات نباتية متداخلة إضافة إلى كتابات بالخط الكوفي تضمنت آيات قرآنية.

وسَقْفُ المسجد وخاصة رواق القبلة كان يحتوي على مصندقات خشبية مزخرفة بألوان مختلفة أجملها لون ماء الذهب، وقد كتبت فيها عدد من الآيات القرآنية، ويظهر جمال المسجد بارتفاع مئذنته الجميلة المزخرفة إضافة إلى القبتين اللتين تعلوان الضريحين.

قال الأكوع: وعمر [أي الإمام المنصور بالله] فيه جامعاً شرع في بنائه لأيام خلت من جمادى الآخرة سنة 602هـ ولم يفرغ من عمل نقوشه وزخارفه إلا سنة 638هـ[20] علي يد أخيه الأمير يحيى بن حمزة كما هو مزبور في جداره.

ويضيف الأكوع قائلاً: ويعتبر هذا الجامعُ الغايةَ القصوى في جمال البناء وروعة الزخارف ودقة النقوش والكتابة بالخط الكوفي المحفور على أخشاب سقفه وعلى جوانبه، والمصبوغ بألوان زاهية ثابتة، ولا شك أن القائمين على عمارته قد اقتبسوا طراز العمارة من عمائر رائعة[21].

وهنا يجدر بنا أن ننوه إلى ما تعرض له جامع ظفار والآثار المعمارية من دمار وخراب بفعل الطائرات المصرية التي ألقت عدداً من الغارات المباشرة التي استهدفته بحسب ما ذكر الأكوع في كتابه (هجر العلم ومعاقله) والدرسي في (الهجرة المنصورية)، وهذا يأتي في إطار محاولة المصريين لتدمير التراث اليمني، فقد كانت لهم مساع في ذلك منها نهب المخطوطات القديمة والقطع الأثرية من اليمن ونقلها إلى مصر.

بقية مساجد ظفار

إضافة إلى مسجد الإمام المنصور بالله عليه السلام الذي تقدم الكلام عنه، يوجد في مدينة ظفار والحصون والقلاع المحيطة بها عدد من المساجد، منها المسجد الصغير الذي بني بجوار قلعة دار الحجر، ويعود تاريخ بنائه إلى عهد الإمام المنصور بالله عليه السلام، والذي يمتاز بطابع خاص وزخرفة بديعة تشابه زخارف المساجد الأخرى التي بناها الإمام المنصور بالله عليه السلام في مطلع القرن السابع الهجري.

كما يوجد جامع كبير داخل قلعة القاهرة، ويبدو من هيئة بنائه أنه قد هُدِم عدة مرات وأعيد بناؤه بعد كل هدم.

القباب

ضمت مدينةُ ظفار قبتين:

القبة الأولى: هي قبة الإمام المنصور، ويوجد بداخلها ضريح الإمام المنصور بالله تعالى، وتقع في الجهة الجنوبية للجامع، وهي عبارة عن مبنى مربع الشكل، طوله من الخارج 5.85 م تقريباً، وارتفاعه 5.75 م تقريباً، ولها مدخلان: الأول من الجهة الجنوبية والآخر من الجهة الشرقية، وفي الجدار الغربي للقبة يوجد أثر باب ثالث إلا أنه قد سُدَّ بالحجارة، ونَسَقُ بنائها خارجٌ عن نسق عمارة القبة مما يدل على أن الباب سدَّ في وقت متأخر على بناء القبة.

وفي القبة ضريح الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليه السلام الذي سوف نفرد له ترجمة في ثنايا هذا المقال.

القبة الثانية: وتقع شرق قبة الإمام المنصور بالله، وهي عبارة عن بناء مربع الشكل طول ضلعه من الخارج 6.10م وبارتفاع يقارب الطول، وفي جدران القبة سطران، كتب في السطر الأسفل: أمر بعمارة هذا المشهد المقدس الأمير سليمان بن إبراهيم بن حمزة بن سليمان، وكتب في السطر العلوي: مما عمر في الدولة النبوية بأمر شمس الدنيا والدين أحمد بن أمير المؤمنين.

وقد ضمت هذه القبة قبرين: قبر الأمير محمد بن الإمام المنصور بالله وقبر أخيه الأمير داوود.

وقد قيل عن هذه القبة: أنها تعتبر أجمل تحفة معمارية في اليمن بزخارفها المنقوشة على جدرانها الداخلية، فقد تشكلت زخارفها من زخارف نباتية وهندسية وكتابات بالخط الكوفي وخط النسخ وخطوط متداخلة[22].

 

مقبرة الطفة (الظفير):

تعتبر المقابر وخاصة مقابر العلماء أحد مصادر التاريخ، فمن خلال الأضرحة وما زبر عليها من معلومات يستطيع الباحث أن يستخلص عدداً من المعلومات التاريخية إذ عادة يكتب على الضريح اسم المتوفى ونسبه وصفته وتاريخ وفاته ومولده، ومن مجموع ذلك يستخلص طبيعة الحركة العلمية وازدهارها.

ومقبرة الطفة الواقعة في الجهة الجنوبية لمدينة ظفار تعتبر من أهم المقابر في اليمن التي يرقد فيها الكثير من العلماء والفضلاء، وقدر عدد العلماء المجتهدين الذين ضمتهم بالمئات، وهو ما يكشف ازدهار هجرة ظفار ومدرستها العلمية، والدور الذي لعبته خلال العصور في نشر العلم واحتضان المهاجرين والعلماء، وسيأتي ما يدلل على ذلك في تراجم العلماء الملحقة في ذيل هذه المقالة والتي اقتصرنا فيها على أبرز العلماء وقدمناهم كنموذج؛ ليكونوا شاهداً على أن ظفار نافست في العلم والتدريس حتى وصلت في مصاف صنعاء وصعدة وذمار وهنَّ أهم المدن التي اشتهرت بالعلم وقصدها الطلبة من مختلف العالم العربي والإسلامي عبر مراحل التاريخ المختلفة.

قصر المعقلي

تحدثت بعض المصادر التاريخية عن قصر المعقلي، وذكرت أنه أحد أهم الآثار المعمارية في ظفار، وبالرغم من أننا لا نستطيع اليوم تحديد مكانه بالضبط، لكننا لا نشك أنه كان تحفة معمارية بارزة؛ يدل على هذا أن المؤرخين[23] لم يغفلوا عن ذكره وتمجيده وتسجيل انبهارهم بعظمته ودقة عمرانه، ووصفه بأنه منزل عظيم لا يوجد مثله، وأنه من محاسن ما عمر، وقد وصفه الإمام المطهر بقوله:

فما بنت المقاول في (ظفار) ... كما بنت الفواطم في (ظفار)

وينسب قصر المعقلي إلى الإمام الناصر لدين الله صلاح الدين محمد بن الإمام المهدي علي بن محمد، والذي بناه أثناء حكمه لليمن في النصف الثاني من القرن الثامن الهجري، وسماه الإمام الناصر بهذا الاسم مجاراة لقصر المعقلي الذي يعود بناؤه إلى الملك المؤيد الرسولي والواقع في منطقة (ثعبات) في تعز.

صهاريج المياه

في سبيل توفير حياة منعَّمة في مدينة ظفار الجديدة عمد الإمام المنصور بالله عليه السلام إلى بناء عدد من خزانات المياه، منها الكبيرة والصغيرة والمتوسطة، ومنها المُعدَّة لغير الشرب، ومنها المخصصةُ للشرب فقط، وهي ما عرفت في اليمن (بالسقايات)، والتي تتطلب أن تكون مغطاة للاحتفاظ بنقاء مائها وصلاحيته للشرب، ويجري ماؤها من سطوح العمائر والمباني النظيفة عبر مجاري خاصة بنيت بالحجارة والقضاض حتى لا تلامس المياه الأرض.

وبالرغم من أن الخراب قد طال معظم هذه الخزانات إلا أن الزائر لظفار سيجد آثاراها شاهدة على عظمتها، وستشده بقايا العقود التي تدل على أن تلك الخزانات كانت مسقوفة على عظمها وخاصة البركة الواقعة بين حصن القاهرة ودار الحجر، ومن أشهر البرك التي عمرها الإمام المنصور بالله عليه السلام البركة الكبيرة المعروفة ببركة حداف[24].

قال الدرسي[25]: وقد بنى الإمام عليه السلام عدداً من البرك في أماكن متعددة من الحصن، منها الواسعة التي كانت تكفي الناس من الموسم إلى الموسم، وبعضها كانت تكفي عاماً كاملاً في أوقات الجدب والقحط كالبركة التي بجوار المسجد والبركة التي تحت جبل القاهرة.

المدرسة المنصورية

كان الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليه السلام من أئمة العلم والرشاد، وداعية من دعاة الحق، ولهذا فقد أولى العلم اهتماماً بالغاً، وجعل إقامة المدارس العلمية من أولوياته، وأشهر المدارس العلمية التي عمرها عليه السلام مدرسة ظفار التي قصدها طلبة العلوم الشرعية من سائر الأقطار، كما بنى فيها المساكن للعلماء والمتعلمين، ووفر لها مكتبة تضم درر المؤلفات في مختلف الفنون؛ فظلت مدرسة ظفار منارة علمية ومصدر إشعاع فكري قروناً طويلة من الزمن، تخرج منها العلماء والمجتهدون وسكنها الطلبة والراغبون وهاجر إليها مئات الطلاب من مختلف مناطق اليمن.

مكتبة المدرسة المنصورية

عُرِفَ عن الإمام المنصور بالله عليه السلام شغفه بجمع الكتب العلمية والمؤلفات الموسوعية في شتى الفنون، وفي سبيل ذلك فقد أرسل إلى العراق من يقتني له الكتب النادرة شراء واستنساخاً[26]، فجمع ثروة علمية ضخمة من الكتب كوَّن منها مكتبته العلمية التي وَقَفَها على مدرسته العلمية في ظفار.

قال الأكوع: وجمع في هذه المكتبة ثروة علمية عظيمة وكانت خزانته تضم عدداً كبيراً من الكتب في شتى الفنون والمعارف الإسلامية[27].

وقال السيد العلامة إبراهيم بن القاسم بن المؤيد بالله: عمر حصن ظفار وشيده، وعمر مدارس العلم، وجمع في خزائنه من الكتب ما ليس يلقى في سائر الخزائن[28].

وقد تعرضت هذه المكتبة للضياع، حتى قام الإمام يحيى بن محمد حميد الدين عليه السلام بنقل ما تبقى من هذه الخزانة إلى مكتبة الأوقاف التي أسسها في الجامع الكبير بصنعاء والتي بناها سنة 1344هـ/ 1926م[29].

 

من تولى ظفار

لم نتمكن من معرفة من تولى ظفاراً في جميع الفترات الزمنية الماضية إلا أننا من خلال التتبع للمصادر التي بأيدينا توصلنا إلى الآتي:

ـ الأمير يحيى بن حمزة الحمزي ـ وهو ليس بأخي الإمام[30] ـ وهو أول من ولاه الإمام المنصور بالله ظفاراً، لكنها لم تطل ولايته فسرعان ما عزله الإمام.

ـ الأمير دحروج بن مقبل ولاه الإمام المنصور بالله عقيب ولاية يحيى بن حمزة الحمزي.

ـ الأمير الفضل بن علي بن المظفر العلوي[31] وقد ولاه الإمام بعد دحروج بن مقبل، وقد استمرت ولايته إلى وفاة الإمام المنصور، وهو الذي أمره الإمام قبل وفاته بسنتين في سنة 612هـ ببناء السور العظيم وقد قدمنا الحديث عنه.

ـ الأمير محمد بن الإمام المنصور بالله واستمرت ولايته إلى أن توفي سنة 623هـ[32].

ـ الأمير علي بن الإمام واستمرت ولايته إلى أن توفي سنة 640هـ[33].

ـ الأمير أحمد بن الإمام واستمرت ولايته إلى أن توفي سنه 656هـ[34].

ـ الأمير داوود بن الإمام واستمرت ولايته إلى أن توفي سنة 689هـ[35].

ـ السيد العلامة يحيى بن محمد بن أبي القاسم، ولاه الإمام علي بن محمد حصن ظفار في القرن الثامن الهجري ولم يذكر في مطلع البدور ولا في غيره سنة توليه ومدته لكنه ذكر أنه توفي سنة سبعمائة وأربع وستين للهجرة[36].

ـ إبراهيم بن المهدي بن أحمد جحاف[37] ولاه الإمام شرف الدين ولاية ظفار وجميع أعمال البلاد القبلية واتخذ من ظفار مقراً لإقامته، لم يذكر في مطلع البدور مدة ولايته ولا سنة توليته إلا أنه ذكر أنه توفي في يوم 24 رمضان سنة أربع وأربعين وتسعمائة للهجرة.

ـ السيد بدر الدين محمد بن صالح الغرباني[38] ولاه الإمام القاسم بن محمد بلاد ظفار وذي بين، وكان ذلك تقريباً سنة ثمان وعشرين بعد الألف.

 

تراجم أهم الشخصيات التي كان لها ارتباط بظفار

الإمام أبو الفتح الديلمي

هو الإمام الناصر بن الحسين بن محمد بن عيسى بن محمد بن عبدالله بن أحمد بن عبدالله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام؛ المشهور بأبي الفتح الديلمي.

دعا إلى الله سبحانه في بلاد الديلم سنة أربعمائة وثلاثين للهجرة، ثم خرج إلى أرض اليمن، فاستولى على أكثر بلاد مذحج وهمدان وخولان، وانقادت له العرب، وحارب الجنود الظالمة من المتمردة والقرامطة.

وكان له من الفضل والمعرفة ما لم يكن لأحد من أهل عصره، ولم يزل قائماً بأمر الله سبحانه وتعالى حتى أتاه اليقين، وقد فاز بفضل الأئمة السابقين، توفي عليه السلام شهيداً سنة نيف وأربعين أو خمسين وأربعمائة بردمان بأرض مذحج، في الوقعة المشهورة بينه وبين علي بن محمد الصليحي قائد الباطنية، وداعيتهم، واستشهد معه عليه السلام نيف وسبعون من أصحابه سلام الله ورضوانه عليهم، ويسمى موضع الوقعة "نجد الجاح" من بلد رداع بعنس مذحج مخلاف خولان.

وقد قتل أيام علي بن محمد الصليحي هذا سنة (459هـ) الأمير الشهيد حمزة بن أبي هاشم، وقد عجل الله سبحانه انتقام الصليحي آخر تلك السنة فقتله سعيد الأحول شر قتلة، قال الشاعر العثماني في ذلك مخاطباً لسعيد بن نجاح - ورأس الصليحي بين يديه:

يا سيف دولة دين آل محمد .... لا سيف دولة خيبر ويهودها

وافيت يوم السبت تقدم فتية .... تلقى الردى بنحورها وخدودها

ومنها:

ورأيت أعداء الشريعة شرعاً .... صرعى وفوق الرمح رأس عميدها

أوردتها لهب الردى وصَدَرْت في .... ظلي مظلتها وخفق بنودها

يا غزوة لعلي بن محمد .... ما كان أشأم من صدى غِرِّيدها

بكرت مظلته عليه فلم ترح .... إلا على الملك الأجل سعيدها

ما كان أقبح شخصه في ظلها .... ما كان أحسن رأسه في عودها

سود الأراقم قاتلت أُسْد الشرى .... يا رحمتا لأسودها من سودها

وأراد مُلك الأرض قاطبة فلم .... يظفر بغير الباع من ملحودها

أضحى على خلاقها متعظماً .... جهلاً فألصق خده بصعيدها

ولقد أشار الشاعر في هذا البيت إلى ما كان من علي بن محمد الصليحي وما عرف عنه من كفره بالله وادعاء أنه إله مع الله تعالى حتى قال شاعره ذات يوم:

إن علياً والإله اقتسما .... فاستويا القسمة ثم استهما

فلعلي الأرض والله السماء

ومن آثاره [الإمام أبو الفتح الديلمي] الفكرية:

ـ البرهان في تفسير القرآن أربعة أجزاء جمع فيه أنواع العلوم.

ـ الرسالة المبهجة في الرد على الفرقة الضالة المتلجلجة - أراد المطرفية -[39].

الإمام عبدالله بن حمزة

هو الإمام المنصور بالله أبو محمد عبدالله بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن علي بن حمزة بن الإمام النفس الزكية الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبدالله بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم عليهم أفضل السلام.

كان من عظماء أئمة أهل البيت الذين تشرف التأريخ بهم، وتعطر الكون بعبقهم، وهو من أجلِّ أئمة اليمن علماً وعملاً وشهرة وثراء معرفياً وإنسانياً، ومن أقدر من حكم اليمن، وخضعت له الجنود، ودانت بولائه البلاد، حتى أن دعوته ودولته بلغت الحجاز وينبع والجيل والديلم.

ولد الإمام المنصور بالله عليه السلام في الحادي والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة خمسمائة وواحد وستين بقرية عيشان في ظاهر همدان.

ودعا إلى الله تعالى في سنة خمسمائة وثلاث وثمانين للهجرة، وكانت هذه دعوة احتساب، ثم دعا دعوة عامة في ذي القعدة سنة خمسمائة وثلاث وتسعين من الجوف، ولقد اختبر صلاحه للإمامة أربعمائة عالم، وكانت البيعة العامة من جماهير المسلمين في ربيع الأول سنة خمسمائة وأربع وتسعين للهجرة، وتلقب بالمنصور بالله.

وكانت وفاته يوم الخميس الثاني عشر من محرم سنة ستمائة وأربع عشر للهجرة فدفن في كوكبان، ثم نقل بعد مدة إلى حصن بكر، ثم نقل بعد سنتين وثمانية أشهر إلى ظفار، ومشهده به مشهور مزور.

كان الإمام عبدالله بن حمزة منقطع النظير في كافة العلوم، ولقد آتاه الله قوة الحفظ والنباهة، فقد كان يحفظ خمسين ألف حديث بأسانيدها، وتراثه الفكري شاهد على ذلك.

ولقد منح الله الإمام المنصور بالله أسرار البلاغة والفصاحة شعراً ونثراً، وله ديوان شعر اسماه "مطلع الأنوار" وفيه أرجوزته الشهيرة التي تناول فيها وصف الخيل والتي بلغت أبياتها ما يقارب ستمائة بيت.

ومن أشعاره:

ولولا ثلاث هنَّ من عيشة الفتى .... وجدك لم أحفل متى قام عوَّدي

فمنهن خلط الخيل بالخيل ضحوة .... على عَجَل والبيض بالبيض ترتدي

ومنهن نشر الدين في كل بلدة .... إذا لم يقم بالدين كل مبلدِ

ومنهن تطهير البلاد عن الخنا .... ورَحْضُ أديم الأرض من كل مفسدِ

بذلك أوصاني أبي وبمثله .... أُوَصِّي بنيَّ أوحداً بعد أوحدِ

لقد أثار الحاقدون حول شخصية الإمام المنصور بالله عليه السلام الشائعات الشنيعة، وشنوا عليه حرباً شعواء، تمحورت حول جهاده للمطرفية، وقد قام الإمام عليه السلام ببيان المسوغ الديني في تلك القضايا وشرحها من الناحية الشرعية والفكرية، وقد كان الإمام يردد دائماً ويناشدهم أن ينتهوا عن مواقفهم وعن تمردهم، وخاصة أن ذلك التمرد قد جاء منهم بعد البيعة الصحيحة له بالسمع والطاعة، ثم نكثوا هذه البيعة، ثم حاورهم واستتابهم فأعلنوا التوبة من جديد ثم عادوا إلى نكثهم، وكأنهم المعنيون بقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا).

وما فعله الإمام المنصور بالله عليه السلام مع المطرفية هو ذاته ما فعله الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام مع الناكثين والقاسطين والمارقين وحجتهما واحدة، فليس لقائد المسلمين أن يترك النظام العام للدولة الإسلامية عرضة للعابثين وأصحاب المشاريع الشخصية ما دام قائماً على كتاب الله عز وجل حاكماً بسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

آثاره الفكرية:

ـ موسوعة الشافي

ـ حديقة الحكمة النبوية شرح الأربعين السيلقية

ـ المهذب

ـ العقد الثمين

ـ رسالة الجوهرة الشفافة وقد ألفها في حال صباه وقت دراسته

ـ شرح الرسالة الناصحة

ـ صفوة الاختيار

ـ الدرة اليتيمة

ـ الأجوبة الرافعة للإشكال والفاتحة للأقفال

ـ الناصحة المشيرة

ـ الإيضاح لعجمة الإفصاح

وغيرها من المؤلفات النافعة وهي كثيرة جداً.

 

الإمام صلاح الدين محمد بن علي

هو الإمام الناصر لدين الله صلاح الدين محمد بن الإمام المهدي علي بن محمد؛ كان من أوعية العلم وأئمة الهدى الذين يقضون بالحق وبه يعدلون، وقد دعا إلى الله تعالى سنة سبعمائة وثلاث وسبعين للهجرة وكان إعلان دعوته من حصن ظفار، ولقد قيل أنه اجتمع بها العلماء[40] حتى قيل: أنه اجتمع بها ألف وثلاثمائة عالم لاختبار صلاحه لتولي أمر المسلمين ومعرفة مدى توافر شروط الإمامة فيه، فوجدوه أهلاً لذلك فبايعوه، واجمع العلماء والصالحون على إمامته وفضله وقدره، ومن أشهر من ناصره ورافقه عابد اليمن وزاهدها الإمام إبراهيم الكينعي، وقال بإمامته السيد العلامة محمد بن إبراهيم الوزير وأخوه الإمام الهادي بن إبراهيم الوزير وقد ألف الأخير كتابين عن سيرة الإمام الناصر.

توسعت رقعة دولة الإمام الناصر فخُطِب له في ينبع والصفراء وحلي وتهامة والشحر، ووصل عدن وغيرها من اليمن الأقصى، ولقد شهدت اليمن في عصره نهضة اقتصادية وعمرانية، وضربت العملة باسمه، وكان ضرب العملة شاهداً على المستوى الاقتصادي الرفيع الذي وصلت إليه البلد.

واستمرت دولته إلى أن توفي سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة وعمره ثلاث وخمسون سنة ومشهده في صنعاء.

 

محمد بن الإمام المنصور بالله

هو الأمير المقدام محمد بن الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، ولد في براقش في الجوف في التاسع من ذي القعدة سنة 592هـ، وقد قام ودعا بالاحتساب بعد وفاة والده الإمام المنصور بالله، من خولان الطيال سنة 614هـ.

قال الإمام مجد الدين المؤيدي عليه السلام: الأمير الناصر محمد قام محتسباً، وكان له من رباطة الجأش وثبات القلب عند منازلة الأقران، ومجاولة الفرسان ما هو خليق بمثله، وكان فصيحاً بليغاً مفلقاً، وأخذ في الدعاء إلى الله والجهاد في سبيله حتى توفاه الله سنة ثلاث وعشرين وستمائة، بعد أن توسل إلى الله إن كان قد قبل عمله أن يقبض روحه، عمره اثنان وثلاثون عاماً[41].

وقد مال إلى جنابه عدد من علماء ذلك العصر منهم: الفقيه العلامة حميد بن أحمد المحلي وابن أبي الفتح الصنعاني وعمران بن الحسن الشتوي.

وله معارك كبيرة في صد الغزاة الأيوبيين والدولة الرسولية، ولقد حقق انتصاراً على الغزاة الأيوبيين في سنة 617هـ.

كان الأمير محمد عليه السلام شاعراً وله قصائد رائعة ومن قصائده المشهورة:

سما لك شوق من حبيبك مُنْصِبُ .... وهمٌّ إذا جَّن الدجى متأوبُ

ومن عجب أن لا يهيج لك الأسى .... ديار تعفيها شمال وهيدبُ

وإني لتعديني إلى العزم همَّةٌ .... وقلبٌ على جمر الغضى[42] يتقلبُ

أنا ابن الذي سَنَّ القِرى والذي به .... لعدنان فرعٌ لا يعاب ومنصبُ

عجبت لمغرور يكلف قومه .... مفاخر عدنان إلى أين يذهبُ

أبونا الذي لم تعرف الخيل غيره .... ولم يكُ شيخ قبله الخيل يركبُ

وأورثنا حسن البيان ولم يكن .... من الناس من قبل ابن هاجر يعربُ

ذوو المجد أبناء الذبيح محلهم .... محل الثريا حين تسمو فتشهبُ

وهم ملأوا حزن البلاد وسهلها .... وضاق بهم شرق وشام ومغربُ

ومنها:

كنانة صفو الصفو والخيرة التي .... تخير منها للنبوة منقبُ

ومنهم رسول الله طابت أرومة .... أقرَّ لها من أحمد الأم والأبُ

قريش همو قوم الرسول توارثوا .... خلافته نعم المواريث تكسبُ

فأكرم بقوم ينزل الوحي فيهمو .... كريم إلى أبياتهم يتصوبُ

لهم من بني إسحاق إرث نبوة .... بمكة والبيت العتيق المحجبُ

إذا افتخروا عدُّوا علياً وجعفراً .... وحمزة منهمْ ليث غاب مجربُ

وآمنة الغراء أم محمدٍ .... وفاطمة الزهراء منهم وزينبُ

ومنها:

وسبطا النبي الطاهران اللذا هما .... هلالان في ظلماء تخبوا وتذهبُ

ومنهم علي بن الحسين ومنهمو .... بنوه وقول الحق أولى وأوجبُ

ويحيى بن زيد والحسين وعمه .... هم القوم أزكى حيث كانوا وأطيبُ

وزيد وعبدالله منهم وقاسم .... أخو الرس والهادي الإمام المقربُ

وحمزة ذو الحدين منهم ومنهمو .... أبونا الذي يسموا إليه التنسبُ

وهي طويلة تزيد على مائة وثمانين بيتاً

وتوفي بحوث سنة 623هـ. ودفن في ظفار في القبة المقابلة لقبة والده الإمام المنصور.

من آثاره[43]:

ـ الدراري المشرقة على فئة النكث والمنافقة

ـ تحفة الإخوان

ـ ذات الفروع في بيوت عدنان وقحطان

 

الوشاح الكلالي

الفقيه العلامة الوشاح الكلالي، قال العلامة ابن الوزير في تاريخهم: كان إمام عصره في علوم العربية، وكان مقيماً بـ(ظفار)، وله خزانة كتب هنالك، وتصدر لنشر العلم والإفادة.

الحسن بن البقاء

هو الشيخ الإمام حجة الإسلام الحسن بن البقاء بن صالح بن يزيد بن أبي الحيا التهامي، ثم القيسي، قال ابن أبي الرجال: كان آية من آيات الله البينات محققاً في العلوم جميعها، له التفسير والكامل في الفقه، لم ينسج شيء على منواله حافل يتخرج في مجلدات يستدل فيه بالأدلة الناصعة النافعة، ويخرجها من أحاديث آل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - كالعلوم والأمالي المؤيدية والطالبية والسمانية والمجاميع والمسندات لآل محمد - عليهم الصلاة والسلام - وله في الفرائض.

وهو شيخ الشيوخ؛ فقد عُدَّ من تلامذته: الإمام أحمد بن الحسين أبو طير، والأمير الحسين بن محمد، وغيرهما كثير، وقد تولى القضاء للإمام أحمد بن الحسين.

توفي في ظفار وقبر في ساحة القبة المنصورية وكانت وفاته بعد السبعين وستمائة للهجرة.

من آثاره:

ـ التفسير

ـ الكامل في الفقه

ـ الوافي في الفرائض

 

المرتضى بن سراهنك

السيد العلامة أبو طالب المرتضى بن سراهنك بن محمد الحسيني العلوي، ولد في بلاد الجيل والديلم سنة 559هـ[44] وأخذ العلم هناك ومن مشائخه الشيخ معين الدين أحمد بن زيد الحاجي، وركن الدين فيروز شاه الجيلي، والحسن بن مهدي البيهقي، وأحمد بن زيد الحاجي، وحين بلغته أخبار الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة قدم إلى اليمن للجهاد بين يدي الإمام؛ لكنه وصل بعد وفاة الإمام سنة 614هـ.

حضي المرتضى بن سراهنك باحترام أبناء الإمام المنصور بالله عليه السلام وزوجوه زينب بنت الإمام، وعاش في ظفار لتدريس العلوم فيها، ويعد كتاب نهج البلاغة باكورة ما تلقاه علماء اليمن عنه.

توفي المرتضى بن سراهنك يوم الجمعة أربعة ربيع الآخر سنة 642هـ، فدفن خلف قبة الإمام المنصور بالله من جهة الجنوب على يمين الداخل من الباب الجنوبي للمسجد، وهو أول القبور إلى جهة القبلة[45].

 

يحيى بن أحمد حنش

الفقيه العلامة يحيى بن أحمد بن حنش، مولده في شهر صفر سنة أربعين وستمائة، وتوفي يوم الاثنين الثالث من شوال سنة سبع وتسعين وستمائة، وقبره في الطفة مقبرة (ظفار) المشهورة، وهو أحد المذاكرين الذين حققوا الفقه ودققوه ولخصوه وهذبوه

من آثاره:

ـ كتاب الجامع في الفقه وصل فيه إلى كتاب الجنائز وعاقه الموت عن إتمامه.

ـ كتاب أسرار الفكر في الرد على الكني وأبي مضر.

 

محمد بن يحيى حنش

الفقيه العلامة محمد بن يحيى حنش ولد بعد الخمسين وستمائة، وكان من العلماء العظام، سهل الطريقة، لين العريكة، رضي الأخلاق، رحيماً عطوفاً، رؤوفاً، ملازماً لما ندب إليه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من صفة العالم، ولقد وصفه العلماء بالصبر في تدريس طلاب العلوم يكرر الدرس من دون ملل أو تبرم، محباً لرضى تلامذته، كارهاً لما يضيق صدورهم، وكان مائلاً إلى الجمع بين الأصول والفروع، مولعاً بالبحث والتدقيق والإيضاح والتحقيق.

ولقد استمر على التدريس في هجرة ظفار حتى توفي صبح الثلاثاء الخامس من ذي القعدة سنة تسعة عشرة وسبعمائة وقبر إلى جنب  قبر أبيه جنوباً بظفار في الضفة، ومبلغ عمره نيف وستين سنة رحمة الله عليه[46].

ومن آثاره:

ـ التمهيد والتيسير لفوائد التحرير

ـ الغياصة في أصول الدين

ـ اليواقيت على اللمع

ـ وشرح التقرير

ـ القاطعة في الرد على الباطنية

- وغيرها من المؤلفات والتعليقات.

 

يحيى بن محمد بن أبي القاسم

السيد العلامة الكبير يحيى بن محمد بن أبي القاسم ينتهي نسبه إلى الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام، وهو صنو السيد العلامة علي بن محمد بن أبي القاسم، قال الزحيف[47]: كان رأساً ذا همة، ولاه الإمام علي بن محمد حصن (ظفار) وبه توفي يوم الجمعة في ربيع الآخر سنة أربع وستين وسبعمائة، وقبره في الظفير أو (الطفة) رأس العقبة بـ(ظفار).

 

الحسين بن بدر الدين

الإمام الناطق بالحق الصغير الحسين بن محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر، ولد بعد التسعين وخمسمائة، وهو من أعلام أهل البيت العظام ومن أقطاب الدين، وعلمه لا يوصف ومؤلفاته كثيرة جداً؛ وهي تدل على غزارة علمه رضوان الله عليه.

سكن في آخر أيامه بمنطقة رغافة التابعة حالياً لمحافظة صعدة، واستمر على التدريس والتأليف حتى توفاه الله سنة ثلاث ستين وستمائة.

من آثاره:

ـ شفاء الأوام وصل فيه إلى مفسدات النكاح ثم عاقه الموت عن إتمامه، فقام بإتمامه الأمير صلاح بن إبراهيم بن تاج الدين.

ـ المدخل

ـ والذريعة

ـ التقرير

ـ وينابيع النصيحة

ـ الإرشاد إلى سوري الاعتقاد

ـ الرسالة الحاسمة بالأدلة العاصمة

ـ العقد الثمين في معرفة رب العالمين

ـ وغيرها من المؤلفات

 

إبراهيم بن المهدي بن أحمد جحاف

السيد العلامة إبراهيم بن المهدي بن أحمد بن يحيى بن قاسم بن يحيى جحاف، عالم وقائد، من أفاضل السادة وأعيانهم، طلب العلم وارتحل له من بلد إلى بلد، وهو أحد أعوان الإمام شرف الدين وقادته الذين كان يعتمد عليهم، فقد صحب السيد إبراهيم الإمامَ شرف الدين قبل الدعوة وبعدها، وهو من أخذ له البيعة من أعيان القبائل، ثم كان يد الإمام الذي يدرأ بها عدوَّه، ويوطد بحنكته وحسن رأيه وسياسته الأمن والاستقرار في أنحاء دولته، ولقد ولاه الإمام الأهنوم حتى استقامت له، ثم بعثه إلى ظفار؛ ليكون والياً عليها مع كافة أعمال البلاد القبلية، ولقد ظل في عمله حتى توفاه الله يوم الأحد أربع وعشرين رمضان سنة أربعٍ وأربعين وتسعمائة.

 

علي بن أحمد الأكوع

العلامة المجاهد الكبير علي بن أحمد بن الحسين بن المبارك بن إبراهيم الأكوع، وصفه ابن أبي الرجال بعمَّار زمانه وسلمان أوانه، بطانة خالصة لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم بقول وفعل، ناصر الإمام المنصور بالله، وشاركه في فعله المشكور.

قال العلامة السراجي: كان رضي الله عنه واسع الرواية من الأقطاب الذين تدور عليهم أسانيد كتب الآل عالماً عابداً، ديناً صادق اللهجة، ولم يذكر له تاريخ ميلاد، ولا وفاة.

وقبره رحمه الله في الملاحة بجبل مرهبة عند مسجده، وهو مسجد عظيم على قدر الكعبة المشرفة، وقد أثنى عليه عدد من العلماء لا يمكن حصر كلامهم فيه في هذا المختصر.

ولكن تتميماً للفائدة الدالة على غزارة علمه وفهمه، وقوة باعه أنه جادل رجلاً من زبيد، وقد كان هذا الفقيه يتعرض دائماً للبحث والمناظرة، فلمَّا ناظره العلامة علي الأكوع في مسألة خلق الأفعال قطعه فيها ولم يهم بعدها بمناظرة قط[48].

من آثاره:

ـ الاختيارات المنصورية

 

عبدالله بن المهلا النيسائي

العلامة الفقيه فخر الدين عبدالله بن المهلا بن سعيد النيسائي الشرفي، ولد في شهر صفر سنة خمسين وتسعمائة في قرية الوعلية في الشرف الأعلى التابع حالياً لمديرية المفتاح محافظة حجة.

وقد طلب العلم وارتحل له إلى البلدان، فقد ارتحل إلى الظفير وأقام بها سبع سنين، ثم ارتحل إلى ظفار فأقام بها ما شاء الله وقرأ بها الفقه والحديث، ثم ارتحل إلى غيرها من المناطق حتى صار من أعلام الشريعة أئمة الدين، وأقطاب العلوم وأساتذتها وشيخ الشيوخ في زمانه وواسطتها، وقد جعل في اللغة والتفسير نظيراً للسعد التفتازاني، ولقد كان أكثر الفضلاء في زمانه عيالاً عليه.

 وقد سكن صنعاء ثم انتقل إلى الأهجر التابعة حالياً لمحافظة المحويت، وأقام بها تسع سنين، ومنها انتقل إلى بلاده بمنطقة الشجعة التابعة لمديرية المحابشة وأقام فيها حتى توفاه الله.

ولقد كانت له مكانة رفيعة في نفس الإمام شرف الدين عليه السلام حتى جعله في مقام الاختصاص بمحل الوزارة، ولقد وكل إليه هجرة الوعلية والشجعة وجعل أمرهما وأموالهما إليه وتحت ولايته.

قال الإمام شرف الدين عنه: القاضي العلامة، المحقق الفهامة، واسطة عقد علماء الأمة، وصدر أكابر وزراء الأئمة، الشهير علماً، العظيم فهماً، حسام الملة والدين، قاضي قضاة المسلمين: عبد الله المهلا بن سعيد بن علي بن محمد بن علي النيسائي ثم الشرفي الأنصاري[49].

توفي العلامة عبدالله بن المهلا رضوان الله عليه في ذي الحجة سنة ثمان وعشرين بعد الألف في هجرة الشجعة وقبر بها.

 

يحيى بن محمد حنش

العلامة الفاضل يحيى بن محمد بن يحيى بن صالح بن محمد حنش، عالم من العلماء الكبار في زمانه، ولد في تاسع عشر من شهر ربيع الأول سنة 966هـ، ونشأ في طلب العلم وارتحل وجدَّ واجتهد وبلغ مبلغاً عظيماً، وزميله في العلم الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، والسيد العلامة أمير الدين بن عبدالله نهشل.

سكن ظفار في آخر عمره وعزم على الإقامة فيها فجاءت أسباب اقتضت انتقاله إلى شهارة فانتقل إليها ولزم التدريس بها والتعليم إلى أن توفاه الله يوم السبت 27 شوال سنة ثماني وعشرين بعد الألف وقبره يماني مسجد الأشراف في الحوطة التي تليه من دون فاصل[50].

المصادر والمراجــع 

  1. الحدائق الوردية
  2. مآثر الأبرار
  3. سيرة الإمام المنصور بالله
  4. اللالئ المضيئة
  5. مطلع البدور ومجمع البحور
  6. تحفة الأبصار
  7. روائع البحوث في تراجم علماء حوث
  8. الهجرة المنصورية ظفار
  9. طبقات الزيدية الكبرى
  10.  معجم البلدان والقبائل اليمنية
  11. تاريخ صنعاء
  12. التحف شرح الزلف
  13. تاريخ الأئمة من القرن الثالث إلى الثامن المنتزع من العقود الفريدة للمقريزي
  14. هجر العلم ومعاقله
  15. صفحة فيس بوك أبناء عمران للثقافة
  16. مقال عن مسجد ظفار في الموقع الإلكتروني للمجلس الزيدي

 

 

[1] ابن أبي الرجال، مطلع البدور، ص3/ ج371 ــ اسحاق بن جرير الصنعاني، تاريخ صنعاء، ص175

[2] معجم المقحفي، ص34.

[3] المقحفي، معجم البلدان والقبائل اليمنية، ص974.

[4] المقحفي، معجم البلدان، ص974.

[5] المقحفي، معجم البلدان والقبائل اليمنية، ص974/ الظاهر هو مركز إداري من مديرية خمر ويشمل مدينة خمر والقرى المحيطة بها.

[6]  الدرسي، الهجرة المنصورية، ص8 ـ صفحة الفيسبوك لمنتدى أبناء محافظة عمران للثقافة.

[7] الأكوع، هجر العلم، ص1284.

[8] المقحفي، معجم البلدان والقبائل اليمنية، ص974

[9] جمال الشامي، أئمة اليمن من القرن الثالث الهجري إلى الثامن منتزع من (درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة للمقريزي)،ص26.

[10] كان الشيخ غزوان السريحي أبرز أنصار الإمام المنصور بالله انظر الحدائق الوردية( ج2/ ص263).

[11] الدرسي، الهجرة المنصورية، ص20.

[12] الدرسي، الهجرة المنصورية، ص21

[13] الدرسي، الهجرة المنصورية، ص 10ْ.

[14] سيأتي الحديث عن السور وتاريخ عمارته والمتولي لذلك.

[15] الشرفي، اللالئ المضيئة، ج7/ ص354.

[16] الشرفي ، اللالئ المضيئة، ج7/ ص352. ذكر الشرفي بعد هذا أن الغزاة الأيوبيين أخرجوا جيشاً لمحاصرة ظفار في هذه الأثناء قبل أن يكتمل بناؤه حتى يحولوا بين الإمام واستكمال بناء الحصن إلا أنهم فشلوا في ذلك وعاد جيشهم مدحوراً مهزوماً وواجهوا مقاومة شرسة من قوات الإمام بقيادة الأمير دحروج والذي كان داخل الحصن والقاضي العلامة علي بن أحمد الأكوع الذي أغار من حصن مرمر.

[17] الشرفي، اللالئ المضيئة، ج7/ ص353.

[18] الأكوع، هجر العلم، ص1283.

[19] الشرفي، اللالئ المضيئة، ج7/ ص354 نقلاً عن سيرة الإمام المنصور بالله لابن دعثم.

[20] أي بعد وفاة الإمام المنصور بالله لأنه توفي سنة 614هـ

[21] الأكوع، هجر العلم، ص1284

[22] صفحة فيسبوك لمنتدى أبناء عمران للثقافة.

[23] انظر مطلع البدور،  3/ 322 وغيره.

[24] ابن أبي الرجال، مطلع البدور، ج4/ ص251.

[25] الدرسي، الهجرة المنصورية،  ص46.

[26] الأكوع، هجر العلم، ص1286. وغيره

[27] الأكوع، هجر العلم ومعاقله، ص1286.

[28] إبراهيم بن القاسم، طبقات الزيدية الكبرى، ج2/ ص32.

[29] الأكوع، هجر العلم، ص1286.

[30] الدرسي، الهجرة المنصورية،  ص48.

[31] الدرسي، الهجرة المنصورية، ص48.

[32] الدرسي، الهجرة المنصورية، ص48.

[33] الدرسي، الهجرة المنصورية، ص48.

[34] الدرسي، الهجرة المنصورية ص48.

[35] الدرسي، الهجرة المنصورية ص48.

[36] ابن أبي الرجال، مطلع البدور، ج4/ ص283ـ وغيره.

[37] ابن أبي الرجال، مطلع البدور، ج1/ ص112.

[38] ابن أبي الرجال، مطلع البدور، ج4/ ص286.

[39] المؤيدي، التحف شرح الزلف، ص246.

[40] السراجي، روائع البحوث، ص304.

[41] المؤيدي، .التحف شرح الزلف، ص268ٍ.

[42] في التحف: الغضب لكنه أختل الوزن فكان التصحيح منا.

[43] السراجي، روائع البحوث، ص478.

[44] الدرسي، الهجرة المنصورية، ص63.

[45] الدرسي، الهجرة المنصورية، ص63.

[46] إبراهيم بن القاسم، طبقات الزيدية، ج2/ ص519.

[47] الزحيف، مآثر الأبرار، ج3 ص8.

[48] السراجي، روائع البحوث، ص341.

[49] المهلا، .مطمح الآمال، ص229.

[50] الدرسي، الهجرة المنصورية، ص103.

مدينة شهارة التاريخية

مدينة شهارة التاريخية

هي مدينة يمنية مشهورة، دخلت التاريخ من أوسع أبوابه؛ فلا يخلو كتابٌ تاريخي لليمن أو معجم من معاجم البلدان، إلا ويكون لمدينة شهارة حيز فيه وسطور بارزة على  صفحاته. 
موقع مدينة شهارة
تقع على جبل مشهور في بلاد الأهنوم المصنفة ضمن مرتفعات اليمن الشمالية الغربية، وهي تابعة لمحافظة عمران، وتبعد عنها حوالي (90) كم.
وشهارة – طبيعياً- ضمن سلسلة جبلية يُطلق عليها اسم سلسلة جبال الأهنوم، نسبة إلى قبائل الأهنوم التي تسكنها، وتشتمل هذه السلسلة على جبل "شهارة الفيش" وجبل "شهارة الأمير".
ومدينة شهارة هي المركز الإداري لمديرية شهارة، يرتفع الجبل الذي يحملها حوالي (3000) متر عن مستوى سطح البحر، يفصل بين شهارة الفيش وشهارة الأمير جسر حجري متميز، ولذلك كانت تسمى الجبل المشطور، حيث يوجد بينهما شطر، وهوة فاصلة شاهقة، يقول الشاعر:
سقى الجبل "المشطور" جنبي شهارة ... شآبيب جود مصلح غير مفسد
وتبلغ مساحتها في حدود كيلو متر واحد، وعدد سكانها بناء على إحصائيات 2004م ((1850 نسمة.
تاريخ اختطاطها
تضاربت الآراء حول تأريخ اختطاط مدينة شهارة, ففي اللآلئ المضيئة للشرفي أنها حصن شامخ في زمن أسعد الكامل, وأن "أسعد الكامل طلعها في مبتدأ أمره في ثمانين رجلاً، وأن صاحب اليمن في ذلك الزمان حصره عليها، وأنزل في مكان يقال له: (أقر) يسمى بذلك لأنه قال: استقروا هاهنا (ويعرف اليوم بالقابعي)، و أنه -أي أسعد الكامل- نزل عليهم فقتلهم فقال صاحب اليمن: شهَّرنا هذا الجبل شهَّره الله، فسمي شهارة لهذه الرواية" [مفرح بن أحمد, سيرة الأميرين, ص135].
إلا أن آخر مَن خطَّها وحصَّنها هو الأمير ذو الشرفين محمد بن جعفر بن القاسم العياني المتوفى سنة (478هـ) في القرن الخامس الهجري، عندما توجه اليها, والتجأ بها في حربه مع الصليحيين؛ فأحياها، وعمرها، واتخذها مقراً له.
تسميتها 
قال المقحفي:" شُهارة بضم الشين المعجمة وقد تفتح: "جبل مشهور في بلاد الأهنوم شمالي حجة، وهو من معاقل اليمن المشهورة". [المقحفي, معجم البلدان والقبائل اليمنية, ص365].
وذكر السيد العلامة في اللآلئ المضيئة [ج6/ ص109] ما معناه: "أنها كانت تسمى معتق, كما كانت تسمى ظفار, وأن صاحب اليمن في زمن أسعد الكامل, حاصرها حين سكنها أسعد الكامل مع ثمانين رجلاً، فقال صاحب اليمن: شهرنا هذا الجبل شهره الله, فسمي شهارة؛ فيرجع سبب تسميتها بشهارة لاشتهارها".
أما مؤلف سيرة ذي الشرفين, فقد أطلق عليها "شهارة الكبيرة"؛ تمييزاً لها عن شهارة الفيش.
سبب تسمية "شهارة الأمير" و"شهارة الفيش"
كانت تسمى مدينة "شهارة" بشهارة الأمير؛ نسبة إلى الأمير "ذي الشرفين" محمد بن جعفر بن القاسم بن علي العياني, والذي اتخذها حصناً منيعاً خاصاً به، في منتصف القرن الخامس الهجري، بعد تعقب الصليحيين له؛ إذ هيأتها لتكون حصناً طبيعتُها الجبلية المرتفعة ذات الانحدارات الشديدة؛ لذلك عندما وجه المكرم "أحمد بن علي الصليحي" قواته لمهاجمة الأمير "ذي الشرفين"، عادت تلك القوات خائبة إلى ثكناتها، واستمر الأمير "ذو الشرفين" في شهارة حتى وفاته بها، في سنة (478هـ)، فنُسبت مدينة شهارة إليه، فسميت "شهارة الأمير".
قال الأكوع في كتابه (هجر العلم): "شُهارة بضم الشين المعجمة ـ كما في (تاج العروس) ـ فقد جاء فيه ما لفظه: شُهارة بالضم حصن عظيم يقال له: شُهارة الفيش, وهو من معاقل الأهنوم، وبفتح الشين وكسرها, كما هو معروف في ألسنة الناس, وتعرف بشهارة الأمير: نسبة إلى الأمير ذي الشرفين ...., وبجوارها من جهة الشرق شهارة الفيش: نسبة إلى القيل ذي فائش".[الأكوع, هجر العلم ومعاقله, ص1058].
وقد يكون سبب تسميتها بشهارة الفيش؛ لأنها لم تُسكن، وكانت المناطق غير الآهلة بالسكان تسمى فيش في العامية.

دورها التاريخي
للموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به مدينة شهارة، ولتحصينها, قد أولاها الأمير "ذو الشرفين" رضوان الله عليه اهتماماً كبيراً, واتخذها معقلاً لصد هجمات الصليحيين, فكان لها الدور الرئيسي في تراجعهم إلى صنعاء، إثر الهزيمة التي لحقتهم حول "شهارة" من الأمير "ذي الشرفين" في سنة (462هـ)، فزادت شهرتها وعلا صيتها، وحين استقر الأمير "ذو الشرفين" بها، حث أتباعه وشيعته بالهجرة إليها، فأصبحت منطلقاً لعمليات الأمير السياسية والعسكرية ومركزاً وحاضرة لإمارته الفتيَّة, ثم اتجه الأمير إلى الاهتمام العمراني بها، فكانت له إصلاحات عديدة فيها، مثل الغيل الشرقي ولعله باب الصلال، والغيل الغربي ولعله تحت المحطة، وأيضاً بركة الشرقي، وبركة العنكبوت، وغير ذلك من الإصلاحات, فازدهرت المدينة ازدهاراً علمياً وسياسياً وعمرانياً, حتى بلغ عدد صبيان المكتب (764) صبياً، وبلغ عدد المنازل (511) منزلاً في ذلك العصر, واستمر هذا الدور الإصلاحي في عهد أبنائه.
تعرضت مدينة شهارة للغزو من قبل العثمانيين في غزوهم الأول لليمن, حالها في ذلك حال بقية المدن اليمنية, حتى حررها الإمام المنصور القاسم بن محمد من بين أيديهم في ثورته المباركة ضد الغزاة والمعتدين، واتخذها عاصمة لدولته, ومنطلقاً لطرد الغزاة العثمانيين من بقية المناطق اليمني, فظلت عاصمته حتى وفاته سنة (1029هـ), وبعد وفاته عليه السلام خلفه ولده الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم عليه السلام, والذي اتخذها أيضاً عاصمة ومقراً له؛ لطرد بقية الغزاة، ومواصلة مسيرة أبيه في تحرير كل شبر من أرض اليمن.
 لقد أولى الإمام المؤيد بالله الإعمار في دولته اهتماماً كبيراً، فقد اشتهر ببناء المساجد ومدارس العلم, وهذا العصر يعد أزهى عصور مدينة شهارة حضارة وثقافة وعلماً, وهكذا ظلت تمارس هذا الدور المهم، كهجرة علمية وجامعة دراسية تخرج منها الكثير من العلماء, وسكنها العديد من الفضلاء, ولم يخفت عبرَ العصور المتعاقبة دورها, وبقيت منطلقاً للعلم والأئمة والمتعلمين, بالرغم من أنها ظلت بين شد وجذب، فكانت من أهم وأعظم الهجر العلمية تأثيراً وأثراً, ولم تخلُ من العلماء المجتهدين وطلاب العلوم المبرزين.
وفي عصر الإمام المتوكل على الله يحيى حميد الدين زاد هذا الدور العلمي والسياسي، حين اتخذها الإمام مقراً ومنطلقاً في مواجهته للغزو العثماني الثاني على اليمن, حين استقدمت القوات الغازية العثمانية قواتاً إضافية من اسطنبول، بعد الهزائم المتلاحقة التي ألحقها بها الأحرار اليمنيون بقيادة الإمام يحيى حميد الدين؛ إذ جاءت القوات بقيادة الباشا "أحمد فيضي" مزودة بأحدث المعدات من مدفعية ثقيلة وأسلحة نارية خفيفة, وما أن وصلت تلك القوات إلى أسفل جبل "شهارة" - بقوة تتألف من (10) طوابير بكامل معداتها- حتى باغتتهم الهزيمة من كل جانب, فقد أعد الإمام يحيى خطة دفاعية فريدة؛ حيث جمع القبائل المجاهدة، فباغت القوات الغازية بقذائف الأحجار الضخمة، بإسقاطها من قمم جبال "شهارة" الجاثمة في الوديان الضيقة, فتلقت القوات الغازية هزيمة نكراء، وفر قائدها وبعض قواته التي سلمت من القتل.
دور مدينة شهارة العلمي والثقافي  
لم تخل مدينة شهارة من العلم والتدريس منذ عصر الأمير "ذي الشرفين" إلى اليوم، فقد كان عدد طلاب المكتب في عهد الأمير ذي الشرفين رضوان الله عليه (761) طالب، ولا شك أن تجمع هذا العدد في فترة قصيرة من اتخاذها مقراً له، يدل على نهضة علمية لا يستهان بها.
استمر هذا الدور لمدينة شهارة بعد الأمير ذي الشرفين، فسكنها الفضلاء والعلماء، حتى اتخذها الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد عليه السلام عاصمة له، في القرن الحادي عشر وبالتحديد في سنة(1006هـ)، ومنذ ذلك الحين ظهرت مدينة شهارة في الساحة الإسلامية كواحدة من أهم المدن العلمية الشهيرة, فازدهر فيها العلم، وأصبحت مركزاً علمياً هاماً، يقصدها العلماء ويشد الرحال نحوها الفضلاء, ويأوي إليها الأئمة.
يقول اﻷﻛﻮﻉ ﻓﻲ كتابه (ﻫﺠﺮ اﻟﻌﻠﻢ ومعاقله): "اﺯﺩﻫﺮﺕ ﺷﻬﺎﺭﺓ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻹﻣﺎﻡ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ، ﻭﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﺑﻨﻪ اﻟﻤﺆﻳﺪ ﻭﺳﺎﺋﺮ ﺇﺧﻮﺗﻪ ﻭﺃﻭﻻﺩﻫﻢ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻣﻘﺼﻮﺩﺓ ﻟﻄﻠﺐ اﻟﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺃﻣﺎﻛﻦ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻴﻤﻦ ﺣﺘﻰ ﺻﺎﺭﺕ ﻣﻦ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻌﺎﻗﻠﻪ، ﻭﻛﺎﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ خزائن اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻨﻔﻴﺴﺔ؛ ﻷﻥ اﻹﻣﺎﻡ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﻭﺃﻭﻻﺩﻩ ﻛﺎﻥ ﻓﻴﻬﻢ اﻟﻜﺜﻴﺮ اﻟﻄﻴﺐ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء، ﻓﺎﺟﺘﻤﻊ ﻟﻬﻢ ﺑﺤﻜﻢ ﺗﻮاﺭﺙ اﻹﻣﺎﻣﺔ ﻭاﻟﺮﺋﺎﺳﺔ ﻓﻴﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺐ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺠﺘﻤﻊ ﻷﺣﺪ ﻏﻴﺮﻫﻢ".[الأكوع, هجر العلم ومعاقلة, ص1059] 
لقد أحيا الإمام القاسم شهارة بالعلم, حتى أحصي في ظل دولته من طلبة العلم في شهارة، كما يحكي صاحب النبذة المشيرة [ج2/ ص482] فوق (800) طالب, وابتنى المدارس العلمية والمساكن لهم، وأجرى لهم الأوقاف, وتكفل بجميع مصاريف العلماء والمتعلمين, ووفر لهم كل ما يحتاجونه من الطعام والمال, حتى بلغ به الاهتمام بطلبة العلم, أن جعل لهم مدرسة وجامعاً في وادي أقر المنخفض؛ للدراسة فيه في أيام الشتاء, لشدة البرد في جبل شهارة, وشق لهم مجرى للماء من جبل شهارة؛ كون مياه تلك المنطقة غير صالح للشرب, وهذا الاهتمام هو ما ساعد على ظهور تلك النهضة العلمية الزاخرة.
وبعد وفاة الإمام المنصور بالله تنامى ذلك الدور وخاصة في دولتي ولديه المؤيد والمتوكل, وهكذا حافظت شهارة على ذلك الدور, فنبغ ﻓﻴﻬﺎ المئات من الأئمة ﻭاﻟﻤﺠﺘﻬﺪﻳﻦ، وتخرج منها الآلاف من العلماء والفقهاء وطلاب العلوم من جميع أقطار اليمن.
فصارت ﺯﻫﺮﺓ اﻟﻤﺪاﺋﻦ, وعاصمة العواصم, وهجرة العلوم ومأوى الأفئدة, حتى تخرج منها كبار الأعلام, ومشائخ الإسلام, أمثال ﺃﻭﻻﺩ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﻭﺃﺣﻔﺎﺩﻩ، ﻭﺷﻴﺦ اﻹﺳﻼﻡ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻤﺴﻮﺭﻱ، ﻭاﻟﻌﻼﻣﺔ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺻﻼﺡ اﻟﺸﺮﻓﻲ، ﻭاﻟﻌﻼﻣﺔ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﺸﺮﻓﻲ ﺻﺎﺣﺐ ﺗﻔﺴﻴﺮ (اﻟﻤﺼﺎﺑﻴﺢ)، ﻭالعشرات ﻏﻴﺮﻫﻢ.
المعالم العمرانية في المدينة
مما يلاحظ في الصفة العمرانية لهذه المدينة أن عمارتها فوق سراديب وأخاديد وتجويفات تم طمرها تدريجياً، وتعتبر من الأشياء العجيبة.
انعكست مكانة "شهارة" التاريخية على نشاطها المعماري, فشهدت نهضة معمارية وحضارية ظلت شاهدةً على عراقتها, سواء في عهد الأمير ذي الشرفين وأولاده, أو في عهد الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد وأولاده, ومن أهم معالمها المعمارية:
سور المدينة - الأبواب العسكرية المحكمة ـ ونوب المراقبة - المساجد - الحارات بما تحوي من التنسيق العمراني - الجامع الكبير ومرافقه - القباب البيضاء - القصور الكبيرة والعمارات الشاهقة ومخازنها المحكمة - السدود والبرك الكبيرة والتي يلفتك إليها أماكن بنائها والتخطيط الإبداعي فيها وكيفية وصول الماء إليها - الأضرحة والمشاهد - الجسر الحجري - والمقابر الواسعة - والمدرجات والطرق المتقنة – وغير ذلك.
التحصينات
تميزت مدينة شهارة بتحصيناتها الطبيعية، فهي عبارة عن مدينة تقع على جبل شاهق شديد الانحدار, مما أهَّلها لأن تكون مكاناً استراتيجياً في مواجهة الأعداء, وقد استفاد الأئمة عليهم السلام من هذا التحصين في مواجهة الغزو العثماني, كما تقدم في لجوء الإمام القاسم عليه السلام إليها, وكذا الإمام المتوكل على الله يحيى حميد الدين سلام الله عليه.
فقد جعل للمدينة ثمانية أبواب محكمة، وعدد من النوب المرفقة بها، بالإضافة إلى أماكن حراسة ونحو ذلك، ولا يمكن لأحد أن يدخلها من غير تلك الأبواب؛ إذ من المستحيل على أي أحد ولو كان  خبيراً في التسلق أن يجد مدخلاً غيرها.
وقد صُممت الأبواب في أماكن ضيقة ومرتفعة ومناسبة، مما سهل لمن في المدينة التحكم بها والسيطرة عليها.
 الطرق والمداخل 
من جملة الاهتمامات الكبيرة بالمدينة تمهيد طرقها وتسهيلها؛ لوصول الجمال والجماعات والناس إليها ونحو ذلك، فقد عبدت الطرق إلى المدينة وداخلها, وحددت حسب الحاجة والأهمية.
فهناك طريقان يصلان بك إلى شهارة، قام ببنائهما الأمير ذو الشرفين في منتصف القرن الخامس الهجري, أحدهما من جهة الغرب والآخر من جهة الجنوب.
ثم أنشأ الإمام القاسم بن محمد عليه السلام طريقاً آخر يصل بشهارة الفيش, وقام أيضاً برص عدد من الطرق، وأقام عدداً من الأبواب للمدينة, وقد استكمل بناءها ولده الإمام المؤيد بالله بعد وفاة والده, وبذلك تكونت شبكة طرق محكمة بين الجبال، لكل طريق باب ولكل باب اسم, وهي كالتالي:
باب الفتوح وسمي مؤخراً بباب النحر: ويقع في الجهة الجنوبية للمدينة, وإليه تنفذ الطريق التي أنشأها الأمير ذو الشرفين في الجهة الجنوبية بعد منتصف القرن الخامس.
وباب النصر: ويقع في الجهة الغربية للمدينة, وهو منفذ الطريق الجنوبية التي بناها الأمير ذو الشرفين, وجددها الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد, وهذا الباب قد هدم بسبب أن طريق السيارات مر منه.
وباب شهارة الفيش: يقع في الجهة الشرقية للمدينة, ويربط بين شهارة الفيش وشهارة الأمير، وهو طريق مرصوف بالحجارة.
وباب الصلال: ويسمى باب السرو, ويقع في الجهة الجنوبية الشرقية.
 بالإضافة إلى ذلك: باب السويد, وباب الجسر, وباب الحرم وباب بيت لقمان.
السدود والبرك
ومن اللافت في تخطيط المدينة، أنهم لاحظوا عند تخطيطها وبنائها حاجة الناس الماسة للمياه، فأخذوا في عين الاعتبار استغلال مياه الأمطار, فقاموا بعمارة سدود كبيرة وبرك واسعة, تستوعب كميات من المياه تكفي سكان المدينة لعدة سنوات, ومعظم هذه البرك لها ما يقارب (1000) عام من حين بنائها, فقد بناها ذو الشرفين كما تقدم, وبعضها (400) عام أي إلى عصر الإمام القاسم بن محمد, وجعلوا المدينة عبارة عن صبابات وسواقي تصب في تلك البرك, فإذا امتلأت البركة الأولى, يتحول الماء عبر منافذ ومجاري خاصة إلى بركة أخرى وهكذا.
قد صممت تلك البرك والسدود بإتقان عجيب, واختيرت ووزعت أمكنتها بعناية, فقد احتوت المدينة مع صغر مساحتها على أكثر من (17) سداً وبركة بين كبيرة ومتوسطة, منها: بركة الطوف, والاحسني, والشرقي الأسفل, والأعلى, والعنكبوت, وسد الجامع, والسبع, وسد النحر, وبركة باب النصر, والخارجية, والمحطة, والصلال, وأبو طالب, والشحنة, وبركة الشفاء وغيرها.
و من تلك المجاري المائية ما أنشأه الإمام القاسم عليه السلام أسفل مدينة شهارة, وجعله ممتداً من بئر في أسفل مدينة شهارة إلى وادي أقر (القابعي حالياً) في مسافة طولها أكثر من (3) كم, في عرض الجبل, وكان الغرض من هذا المجرى المائي أن طلاب المدارس العلمية في شهارة في فصل الشتاء ولشدة البرد, كانوا ينزلون إلى جامع أقر الذي بناه الإمام القاسم لطلبة العلم, ولكون ماء وادي أقر غير صالح للشرب فقد أنشأ الإمام القاسم هذا المجرى، وللأسف الشديد فإن هذا المجرى التاريخي قد هدم بسبب توسعة الطريق للسيارات.
حارات المدينة
ورغم أن مساحة مدينة شهارة ضيقة، لكنها خُططت على شكل حارات, فبلغت حاراتها ((16 حارة تقريباً، وكل حارة بها مسجد، وساحة، وبركة، ومقبرة، ونحو ذلك.
قصور شهارة
لقد ضمت مدينة شهارة عدد من القصور الكبيرة والمباني العالية التي تتميز بتصميمات فريدة, ونسبة المباني العالية والقصور العظيمة في المدينة أضعاف المباني العادية؛ فهناك أكثر من (100) بناية وقصر, وقد تهدمت بعضها أثناء الغزو المصري لليمن عام (1962م)، بفعل المدافع المصرية وقنابل النابالا التي كانت تضرب على المدن اليمنية ومنها مدينة شهارة, وبعضها تهدم بفعل الإهمال والهَجر.
ومن القصور المشهورة في المدينة: 
 دار سعدان 
 حصن الناصرة
 دار العقبة
 الغرباني
إن تلك المباني شاهدة على تطور البناء والهندسة المعمارية لدى الإنسان اليمني في تلك الحقب, فقد جعلت هذه البنايات منقوشة الأبواب, واسعة الجدران الخارجية, ومصبوبة بالقضاض، أما الجدران الداخلية - خاصة جدران المجالس- فهي مزينة ومنقوشة بحيث تشكل لوحة فنية رائعة، بالإضافة إلى أن أغلب الدرج مرصوفة بالأحجار ومصبوبة بالقضاض، ومازالت أغلب تلك المباني شامخة عالية صامدة، مع أن أغلبها لها عدة قرون، وأيضاً فإن من يزور المدينة يندهش لذلك الارتفاع والتصميم والإبداع في تلك المباني.
جسر شهارة التأريخي
يعتبر جسر شهارة لوحة فنية رائعة في الإبداع والتصميم, فهو يربط بين شهارة الأمير وشهارة الفيش، بعد أن انفصلا بهوة طبيعية سحيقة, ولهذا أطلق على شهارة كما تقدم الجبل المشطور, ولقد كانت الطريق بينهما تتطلب الكثير من الوقت والجهد؛ إذ يلجأ المواطنون إلى النزول إلى أسفل الأخدود الفاصل بين الجبلين، ثم الصعود إلى الجبل الآخر, مما جعل نقل البضائع والمواشي بين الشهارتين صعبة للغاية؛ لصعوبة الطرق الفاصل بينهما.
يصف مؤلف سيرة الأمير ذي الشرفين "شهارة" في القرن الخامس الهجري، فيقول: "ﺟﺒﻞ ﺷﺎﻣﺦ، ﻭﻣﻌﻘﻞ ﺑﺎﺫﺥ، ﻣﺰﺭ ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺟﺒﺎﻝ، ﻣﺮﻛﻮﺯ ﺑﻴﻦ ﺷﻨﺎﺧﻴﺐ ﻃﻴﺎﻝ ﺃﺻﻠﻬﻦ ﻭاﺣﺪ، ﺭﺅﻭﺳﻬﻦ ﻣﺘﺒﺎﻋﺪﺓ، ﻭﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥ ﻳﺤﺎﻁ ﺑﻪ ﻓﻲ ﻳﻮﻣﻴﻦ ﻻ ﻳﺘﻬﻴﺄ ﻟﻪ ﺣﺼﺮ ﻭﻻ ﻳﺨﺸﻰ ﻓﻴﻪ ﻗﻬﺮ.
 ﻭﻫﻮ ﺟﺒﻼﻥ ﻓﻠﻴﻘﺎﻥ ﻟﻴﺲ ﻟﻜﻞ ﻭاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺇﻻ ﻃﺮﻳﻖ ﺑﺒﺎﺏ، ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻓﺮﻕ ﺑﻌﻴﺪ اﻟﻐﻮﺭ ﻓﻲ اﻷﺭﺽ ﻭﻣﻘﺪاﺭ ﻗﺎﺏ اﻟﻘﻮﺱ ﻓﻲ اﻟﻄﻮﻝ ﻭاﻟﻌﺮﺽ، ﻳﺘﻨﺎﺟﻰ اﻟﺮﺟﻼﻥ ﺑﺨﻔﻲ اﻷﺻﻮاﺕ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺤﺘﺎﺟﺎﻥ ﻣﻦ اﻷﺳﺮاﺭ ﻭاﻟﺤﺎﺟﺎﺕ، ﺗﻨﻈﺮ ﻣﻦ ﻓﻮﻗﻪ اﻟﺸﻤﺲ ﻭﻫﻲ ﺗﺪﺭﺝ ﻓﻮﻕ اﻟﺴﺤﺎﺏ، ﻭﺗﺮﻯ اﻟﺒﺮﻕ ﻭاﻟﺮﻋﺪ ﻣﻦ ﺗﺤﺘﻪ ﻭﻓﻲ اﻷﻭﺩﻳﺔ ﻭاﻟﺸﻌﺎﺏ ، ﺫاﻫﺐ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﻻ ﻳﻜﺎﺩ ﻳﻔﺎﺭﻗﻪ اﻟﻐﻴﻢ ﻭاﻟﻐﻤﺎﻡ، ﻭﺇﺫا ﻛﻨﺖ ﻓﻲ اﻟﻠﻴﻞ ﺃﺳﺎﺳﻪ ﻭﺃﻭﻗﺪﺕ اﻟﻨﻴﺮاﻥ ﻓﻲ ﺭﺃﺳﻪ اﺧﺘﻠﻄﺖ ﻋﻠﻴﻚ اﻟﻮﻫﻮﻡ ﻓﻼ ﺗﻜﺎﺩ ﺗﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﻴﺎﺭ ﻭاﻟﻨﺠﻮﻡ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺳﻤﻴﺖ ﺷﻬﺎﺭﺓ ﺇﻻ ﻻﺷﺘﻬﺎﺭﻫﺎ".
ظل تسهيل طرق التواصل بين أبناء الشهارتين هاجساً شاغلاً لأذهان الأئمة الذين حكموا تلك المناطق, فنقرأ في التأريخ كيف أن ذلك الهاجس كان يؤرق الأمير ذي الشرفين وابنه عمدة الإسلام, وازداد ذلك الهاجس في عصر الإمام القاسم عليه السلام وولده الإمام المؤيد بالله، فقد ذكرت كتب السير دور كل منهم في شق وتعبيد الطريق بين الشهارتين وتسهيلها، حتى أن الإمام المؤيد عليه السلام كان في آخر أيامه يخرج ويبيت في كهف خارج مدينة شهارة؛ لينظر عمارة الحصن وتسهيل المدرج.
ومن هنا جاءت الحاجة إلى تشييد هذا الجسر التاريخي الذي يعد تحفة فنية ومعمارية نادرة.
تاريخ بناء الجسر
أما تاريخ بناء الجسر فقد بني في عام (1323هـ)/(1905م) في عهد الإمام المتوكل على الله يحيى حميد الدين رضوان الله عليه.
وتعتبر الهندسة المعمارية للجسر واحدة من أهم سماته، فقد أقيم على أخدود شديد الانحدار - يفصل بين جبلي شهارة الفيش وشهارة الأمير- يبلغ ارتفاعه من أسفله إلى أعلى قمة الجبل حوالي (200م)، أقيم هذا الجسر على ارتفاع (50م) من أسفل الأخدود، في منطقة يبلغ مسافتها (20م)، ونتيجة للارتفاع البالغ (50م) من قاع الأخدود، فقد بنيت في الأسفل عدة جسور ونوب ـ أبراج ـ تم الاعتماد عليها في إقامة هذا الجسر؛ إذ كانت تستخدم لنقل الأحجار ومواد البناء إلى أعلى المنطقة التي اختيرت لإقامة الجسر والتي مُهدت قبل البدء بالبناء عليها؛ لأن صخورهـا ملساء، بعد ذلك أقيم جسما الجسر على الجبل الشرقي وعلى الجبل الغربي، فبلغ ارتفاع كل منهما (10م)، وبالاستناد على ذلكما الجسمين تم عمل عقد الجسر الذي ربط بين الجسمين؛ ليصل بعدها طول الطريق بين الجبلين إلى (20م) وعرضها (3م)، ولا زالت آثار الجسور التحتية التي استخدمت لنقل مواد البناء إلى الأعلى قائمة، أما النوب فقد تهدمت.
هذا وقد أقيمت على جسم الجبل الغربي طريق حجرية مرصوفة تبدأ من بداية الجسر إلى الأعلى؛ ونتيجة للانحدار الشديد للصخور، فقد اضطر المعماريون إلى بناء عقود؛ لتقوم عليها عمارة الطريق المرصوفة، وتعتبر الطريق المرصوفة والجسر تحفة معمارية رائعة وعملاً هندسياً عظيماً، إلى جانب أهميته في تسهيل حركة التنقل بين الجبلين.

المعالم الدينية في مدينة شهارة:
توزعت المعالم الدينية في مدينة شهارة بين المساجد، والقباب، والمدارس العلمية، والأضرحة.
المساجد
من أهم المساجد الموجودة في المدينة:
الجامع المقدس 
وهو من أهم الأمكنة؛ إذ كان له الدور الكبير في تخرج المئات من الأئمة والعلماء المجتهدين.
وموضعه: اختار الإمام المنصور القاسم لبناء المسجد مكاناً كان أهل شهارة يحطون فيه ثمرة الزبيب, و ﻛﺎﻥ اﻻﺑﺘﺪاء ﻓﻲ ﺑﻨﺎﺋﻪ ﻓﻲ (4) ﻣﺤﺮﻡ ﺳﻨﺔ (1015هـ)، وانتهى بناؤه في سنة (1025هـ).
 ﻗﺎﻝ ﺻﺎﺣﺐ ﺳﻴﺮﺓ الامام اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ: "ﺃﻣﺮ الإﻣﺎﻡ ﺑﺎﺑﺘﺪاء ﻋﻤﺎﺭﺗﻪ ﻭﻻ ﻳﺠﺪ ﻣﻦ ﺃﺟﺮﺗﻪ ﺇﻻ ﺧﻤﺴﺔ ﻛﺒﺎﺭ (ﻣﺎﺋﺘﻲ ﺩﺭﻫﻢ ﺇﺳﻼﻣﻴﺎً) ﻓﺤﺼﻞ اﻹﻣﺪاﺩ ﻣﻦ ﻓﻀﻞ اﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺑﻜﺜﺮﺓ اﻟﻨﺬﻭﺭ، ﻭﺳﺎﻕ ﻣﻌﻈﻢ ﺣﺠﺎﺭﺗﻪ ﻣﻦ ﺧﺎﺭﺝ اﻟﺒﺎﺏ".[الجرموزي, النبذة المشيرة, ج2/ ص219].
ثم زاد فيه الإمام المتوكل إسماعيل بن القاسم في الجهة الشمالية؛ إذ بنى فيها رواق القبلة، وذلك في سنة (1074هـ).
مكونات الجامع:
 يتكون الجامع من بيت الصلاة (رواق القبلة), ورواقين جانبين والرواق الجنوبي وصحن مكشوف في الوسط، وهناك ـ أيضاً ـ في جنوب الجامع فناء مكشوف يطل على بركة كبيرة منحوتة في صخر الجبل، وهي بركة الجامع المجعولة للوضوء بعدة حمامات متراصة وعلى مسافة عدة أمتار, والجامع يحتوي علي ((48 دعامة و(8) أبواب, ويتسع لأكثر من (1000) مصلي.
ويحيط بالجامع من جهة الشرق والغرب عشرات المنازل العامرة، والتي كانت سكناً لطلاب العلم والمهاجرين الوافدين إلى المدينة لتلقي العلوم, حيث كانت مدينة شهارة واحدة من هجر العلم الرائدة في اليمن، وكانت لا تقل أهمية عن صعدة وصنعاء وذمار وزبيد.
وتم عمل سد ماء (بركة) شرق الجامع، غير بركة الجامع، وهي مسقوف عليه فلا يظهر إلا بابها وفتحتان على السقف للاضاءة، وهي تعرف بالسقاية, وهي مخصصة للشرب؛ حيث كانت الأولى مخصصة للوضوء.
القباب الثلاث
ومما يرفق بالجامع المقدس، ويعد من معالم المدينة المتميزة، القباب الثلاث البيضاء، والتي تميزت بالفن المعماري الأصيل، والهندسة البديعة، والنقوش الفريدة، والخطوط المختلفة.
إن منظر القباب الجمالي - علاوة على المعنى الديني، والمكانة الروحية - قد زاد المدينة جمالاً ورونقاً.
*القبة الاولى
وتقع شرقي الجامع مباشرة، بينهما مسافة القامة كطول الرجل، وبها باب يقابله باب من أبواب الجامع، وقد ضمت هذه القبة:
  قبر اﻹﻣﺎﻡ اﻷﻋﻈﻢ ﺃﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ اﻟﻤﻨﺼﻮﺭ بالله اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ اﻟﺮﺷﻴﺪ، ﻧﺴﺒﻪ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺇﻟﻰ الإمام اﻟﻬﺎﺩﻱ ﺇﻟﻰ اﻟﺤﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ.
 ﻭالذي وﻟﺪ ﻓﻲ (12) ﺻﻔﺮ ﺳﻨﺔ (966ﻫـ) ﻓﻲ مدينة اﻟﺸﺎﻫﻞ، ﻭﻛﻔﻠﺘﻪ ﻋﻤﺘﻪ اﻟﺸﺮﻳﻔﺔ اﻟﻄﺎﻫﺮﺓ ﺃﻡ اﻟﻐﻴﺚ ﺑﻨﺖ ﻋﻠﻲ، وكانت تسكن اﻟﺮﻏﻴﻞ ﻏﺮﺑﻲ ﻣﺴﻮﺭ، ﻓﺄﺗﻢ ﻗﺮاءﺓ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻋﻨﺪﻫﺎ، وﻧﺸﺄ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﻬﺎﺭﺓ ﻭﻗﻮﺓ اﻟﻘﻠﺐ ﻭاﻟﺒﻄﺶ، وطلب العلم والتعلم حتى بلغ في العلم مبلغاً عظيماً.
ﻭﻛﺎﻥ اﺑﺘﺪﺃ ﺩﻋﻮﺗﻪ ﻣﻦ ﺟﺒﻞ ﻗﺎﺭﺓ ﻓﻲ ﺻﻔﺮ ﺳﻨﺔ (1006هـ), ﻭﻭﻓﺎﺗﻪ (12) ﺭﺑﻴﻊ ﺃﻭﻝ ﺳﻨﺔ (1026هـ).
*القبة الثانية
وتقع شرق القبة الأولى، وتمتاز عن القبة الأولى أنها أكثر إتقانا من الناحية المعمارية, وأبدع هندسة, وأجمل نقوشاً، وأكبر حجماً, وبينها وبين القبة الأولى ستة أمتار، وقبر بها:
اﻹﻣﺎﻡ ﺃﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ اﻟﻤﺆﻳﺪ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻹﻣﺎﻡ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ عليه السلام, ﻭﻟﺪ ﺑﺸﻌﺒﺎﻥ ﺳﻨﺔ (990ﻫـ) ﻓﻲ ﺟﺒﻞ ﺳﻴﺮاﻥ ﻓﻲ ﺑﻴﺖ اﻹﻣﺎﻡ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺩاﻭﺩ.
ﺃﻣﻪ اﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻣﺮﻳﻢ ﺑﻨﺖ ﻧﺎﺻﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ اﻟﻐﺮﺑﺎﻧﻲ اﻟﻌﻴﺎﻧﻲ, ﺑﺎﻳﻌﻪ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﺑﻌﺪ ﻭﻓﺎﺓ ﻭاﻟﺪﻩ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻓﻲ ﺭﺑﻴﻊ ﺳﻨﺔ (1029هـ), ﺗﻮﻓﻲ عليه السلام ﻓﻲ ﺷﻬﺮ ﺭﺟﺐ ﺳﻨﺔ (1054ﻫـ) ﺑﺸﻬﺎﺭﺓ.

اﻟﺤﺴﻴﻦ ﺑﻦ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ اﻟﻤﺆﻳﺪ ﺑﺎﻟﻠﻪ [1080هـ - 1131هـ]
اﻹﻣﺎﻡ اﻟﻤﻨﺼﻮﺭ ﺑﺎﻟﻠﻪ اﻟﺴﻴﺪ اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﺑﻦ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ اﻟﻤﺆﻳﺪ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻘﺎﺳﻢ.
*القبة الثالثة 
وهي قبة واقعة بين القبتين، وقد حوت ثلاثة من العلماء الأفاضل: 
 الحسين ﺑﻦ اﻹﻣﺎﻡ اﻟﻤﺆﻳﺪ […. - 1084ﻫـ]
 ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﺑﻦ اﻟﻤﺆﻳﺪ [1044- 1099هـ]
 أخوه السيد إبراهيم بن الحسين.
وحول الجامع إلى جهة الشرق وإلي جهة الغرب العديد من قبور الصالحين والشهداء والعلماء والأفاضل.
مساجد شهارة
 تحوي مدينة شهارة أكثر من (15) مسجداً، موزعة بشكل تنظيمي، ومصممة تصميماً معمارياً فريداً، ومزينة بأجمل النقوش والخطوط العربية، وقد بنيت أغلبها قبل (400) عام, بناها الامام القاسم وأبناؤه عليهم السلام، إلا أن المساجد التي بناها الإمام المؤيد عليه السلام تميزت بأنها تضم بابين للمسجد، باب للداخل وباب للصرح والمتوضأ، بتنسيق إبداعي فريد.
وللأسف الشديد قد تعرض أحد تلك المساجد الأثرية المباركة للهدم؛ بذريعة التوسعة قبل (15) سنة تقريباً، وكان في صرح هذا المسجد - المسمى سابقاً "مسجد الميدان" ومؤخراً "مسجد صبح"- قبران لعظيمين من عظماء المدينة, فتم إخراجهما من قبريهما ونقلهما إلى المقبرة المجاورة بذريعة التوسعة.
وتلك المساجد هي: مسجد باب النصر، مسجد الناصرة، مسجد النافر، مسجد باب النحر، مسجد الصلال، مسجد المحطة، مسجد الحافة، مسجد الميدان، مسجد الغرباني، مسجد دارة العقبة، مسجد سدالة، مسجد الشرقي،بالإضاقة إلى ثلاثة مساجد بشهارة الفيشز
وهناك مسجدان بنيا حديثاً، الأول منهما في الشرقي، وهو ملاصق لمسجد صبح، وللأسف فقد هجر مسجد صبح وأهمل، والثاني مسجد صغير عمل داخل حوش السجن الأثري بالمدينة للمساجين.

أهم الشخصيات التي حوتها المدينة:
لقد ظلت مدينة شهارة لعقود من الزمان حاضرة الإسلام ومدرسة العلوم, وقد وفد إليها وتخرج منها الكثير الطيب من العلماء والأئمة الذين انتشروا في الآفاق, وأسسوا المدارس وتخرج على أيديهم الآلف من العلماء, وهي تضاهي في ذلك كبار جامعات العالم الإسلامي.
ولقد ضمت مراقد الكثير من الأئمة والعلماء والفضلاء، وقد تقدم في ذكر القباب الضريحية بعض من منهم, وهنا سنورد بعضاً من أئمة الدين ومشاهير العلم المقبورين في مدينة شهارة:
اﻷﻣﻴﺮ "ﺫﻭ اﻟﺸﺮﻓﻴﻦ" ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ اﻹﻣﺎﻡ اﻟﻤﻨﺼﻮﺭ ﺑﺎﻟﻠﻪ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ اﻟﻌﻴﺎﻧﻲ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺴﻼم, وقد تقدم الحديث عنه كثيراً.  
الامام الهادي الحسن بن القاسم بن المؤيد عليه السلام. 
اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻤﺴﻮﺭﻱ, ﻣﻮﻟﺪﻩ ﺳﻨﺔ (1007ﻫـ)، وﻭﻓﺎﺗﻪ ﺳﻨﺔ (1079هـ)، ﻭﻗﺒﺮﻩ ﺟﻮاﺭ ﻗﺒﺔ اﻹﻣﺎﻡ اﻟﻘﺎﺳﻢ.
اﻟﺴﻴﺪ اﻟﻌﻼﻣﺔ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﺮﺷﻴﺪ "اﺑﻦ ﻋﻢ اﻹﻣﺎﻡ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ"، ﻛﺎﻥ ﻋﺎﻟﻤﺎً ﻋﺎﻣﻼً ﻓﺎﺿﻼً، ﺃﺟﺎﺯه اﻹﻣﺎﻡ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻭﻣﺸﺎﻓﻬﺔ ﺇﺟﺎﺯﺓ ﻋﺎﻣﺔ، ﻭاﻟﻘﺎﺿﻲ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ اﻟﺪﻳﻦ, ﺗﻮﻓﻲ ﺑﺸﻬﺎﺭﺓ ﺳﻨﺔ (1022هـ)، ﻗﺒﺮﻩ ﻓﻲ ﺣﺠﺮﺓ اﻹﻣﺎﻡ اﻟﻘﺎﺳﻢ.
اﻟﺴﻴﺪ اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻟﺘﻘﻲ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ  بن عامر "ولد المتقدم ذكره" ﻣﻮﻟﺪﻩ ﺑﺸﻮاﻝ ﺳﻨﺔ (1018ﻫـ)، وﻭﻓﺎﺗﻪ ﺑﺸﻬﺎﺭﺓ ﺳﻨﺔ (1056هـ)، ﻭﺩﻓﻦ ﻓﻲ اﻟﺤﺠﺮﺓ اﻟﺘﻲ ﻋﻨﺪ ﻗﺒﺔ اﻹﻣﺎﻡ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﺠﻮاﺭ ﻭاﻟﺪﻩ.
اﻟﺴﻴﺪ اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺻﻼﺡ اﻟﻌﺒﺎﻟﻲ, ﻫﻮ ﻣﻦ ﻛﺒﺎﺭ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻭﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﺃﻧﺼﺎﺭ اﻹﻣﺎﻡ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ، ﻭفاته ﻓﻲ ﺷﻬﺮ ﺭﺟﺐ ﺳﻨﺔ (1084هـ).
ﺭﺃﺱ اﻷﻣﻴﺮ اﻟﺸﻬﻴﺪ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ اﻹﻣﺎﻡ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ، اﻟﺬﻱ ﺳﻘﻂ ﺷﻬﻴﺪاً ﺑﺎﻟﺸﻘﺎﺕ، ﻏﺮﺑﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺻﻌﺪﺓ، ﻣﻊ ﺯﻫﺎء (200) ﺷﻬﻴﺪ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ، ﻭﺣﺰ اﻟﺘﺮﻙ ﺭﺃﺳﻪ، ﻭﺧﻠﺴﻮا ﺟﻠﺪﺓ ﺭﺃﺳﻪ ﻭﺃﺭﺳﻠﻮﻩ ﺇﻟﻰ ﺻﻨﻌﺎء ﻣﻜﺚ ﺑﻬﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﺴﻨﺘﻴﻦ، ﺛﻢ ﺣﻤﻞ اﻟﺮﺃﺱ ﻣﻦ ﺻﻨﻌﺎء ﺇﻟﻰ ﺷﻬﺎﺭﺓ، ﻓﺪﻓﻦ اﻟﺮﺃﺱ ﺑﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﻗﺒﺮ اﻟﺴﻴﺪ اﻟﻌﻼﻣﺔ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺻﻼﺡ اﻟﻌﺒﺎﻟﻲ اﻟﻤﺬﻛﻮﺭ ﻗﺒﻞ ﻫﺬا, ﺃﻣﺎ ﺟﺜﺔ اﻷﻣﻴﺮ ﻋﻠﻲ، ﻓﺪﻓﻨﺖ ﺑﻮاﺩﻱ ﻋﻼﻑ ﻏﺮﺑﻲ ﺻﻌﺪﺓ ﻭﻋﻠﻴﻪ ﻗﺒﺔ.
اﻟﻔﻘﻴﻪ اﻟﻌﻼﻣﺔ ﺷﺮﻑ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﺻﺎﻟﺢ ﺑﻦ ﺻﻼﺡ اﻟﻌﻔﺎﺭﻱ ﺑﻠﺪاً اﻟﺸﻬﺎﺭﻱ ﻣﺴﻜﻨﺎً, ﻣﻮﻟﺪﻩ ﺳﻨﺔ (1041هـ)، ﺗﻔﻘﻪ ﻋﻠﻰ اﻹﻣﺎﻡ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ، ﻭﻣﻬﺪﻱ ﺑﻦ ﺟﺎﺑﺮ اﻟﻌﻔﺎﺭﻱ، ﻭﺣﺴﻴﻦ ﺑﻦ ﺻﻼﺡ ﺣﺎﻛﻢ ﺷﻬﺎﺭﺓ، ﻭﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻤﺴﻮﺭﻱ، ﻭﺃﺻﻮﻝ اﻟﻔﻘﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﺑﻦ اﻹﻣﺎﻡ اﻟﻤﺆﻳﺪ ﺑﺎﻟﻠﻪ، ﻭﻓﻲ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ اﻟﻤﺤﺒﺸﻲ، ﻭﺗﻔﻘﻪ ﻫﺬا ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﺧﺎﺗﻤﺔ ﺷﻴﻮﺧﻪ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺻﺎﻟﺢ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ اﻟﺮﺟﺎﻝ، ﻭﻣﻦ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ: ﻋﻠﻲ ﺑﻦ اﻟﻤﺆﻳﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ، ﻭاﻟﺤﺴﻦ ﻭاﻟﺤﺴﻴﻦ اﺑﻨﺎ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ اﻟﻤﺆﻳﺪ، ﻭاﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ، ﻭﻭاﻟﺪﻩ ﺃﺣﻤﺪ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ, قال عنه ﻓﻲ اﻟﻄﺒﻘﺎﺕ: "ﻛﺎﻥ ﺁﻳﺔ ﺯﻣﺎﻧﻪ ﻫﺪﻯ ﻭﻋﻠﻤﺎً ﻭﻓﻄﺎﻧﺔ ﻭﺫﻛﺎء ﻭﻓﻬﻤﺎً, ﺩﻗﻴﻖ اﻟﻨﻈﺮ ﺟﻠﻴﻞ اﻟﺨﻄﺮ ﺣﺎﻓﻈﺎً ﻣﺤﻘﻘﺎً ﻭﻣﺒﺮﺯاً ﻓﻲ ﻛﻞ اﻟﻌﻠﻮﻡ ﻣﺪﻗﻘﺎً، اﻣﺘﻨﻊ ﻣﻦ اﻟﻘﻀﺎء، ﻭﺗﻌﻔﻒ ﻣﻦ اﻷﻛﻞ ﻣﻦ ﺑﻴﺖ اﻟﻤﺎﻝ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺃﺫﻥ ﻟﻪ اﻹﻣﺎﻡ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ، ﻭﻛﺎﻥ ﺫا ﺛﺮﻭﺓ ﻭﻣﺎﻝ ﻃﻴﻦ ﻳﺒﺎﺷﺮﻩ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺃﻛﺜﺮ اﻷﻭﻗﺎﺕ، ﻭﻣﻊ ﻫﺬا ﻣﺎ ﺗﺮﻙ اﻟﺘﺪﺭﻳﺲ ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻊ ﺷﻬﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﻗﺒﻞ ﻣﻮﺗﻪ ﺑﺜﻼﺛﺔ ﺃﻳﺎﻡ ﻣﺪﺓ ﻣﺮﺿﻪ, ﻭﻓﺎﺗﻪ:(3)ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺳﻨﺔ (1115هـ)، ﻭﺩﻓﻦ ـ رضوان الله عليه ـ ﻓﻲ ﺻﺮﺡ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻋﻠﻰ ﻳﺴﺮﺓ اﻟﺪاﺧﻞ ﻣﻦ ﺑﺎﺏ اﻟﺼﺮﺡ.
اﻟﺴﻴﺪ اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﺷﺮﻑ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻜﺤﻼﻧﻲ ﺑﻦ ﺻﻼﺡ ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ اﻟﻬﺎﺩﻱ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﺑﻦ اﻟﻤﻬﺪﻱ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺇﺩﺭﻳﺲ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺗﺎﺝ اﻟﺪﻳﻦ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﺣﻤﺰﺓ ﺑﻦ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﺣﻤﺰﺓ ﺑﻦ اﻟﻤﺤﺘﺴﺐ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ اﻟﻤﺤﺘﺴﺐ اﻹﻣﺎﻡ ﺣﻤﺰﺓ ﺑﻦ اﻹﻣﺎﻡ ﺃﺑﻲ ﻫﺎﺷﻢ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺰﻛﻴﺔ, ﻗﺮﺃ ﻋﻠﻰ ﺧﺎﻟﻪ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﻨﺘﺼﺮ اﻟﻈﻔﻴﺮﻱ، ﻭﺃﺧﺬ ﻋﻨﻪ ﺣﺴﻴﻦ ﺑﻦ ﺻﻼﺡ اﻟﺸﺮﻓﻲ، ﻭﺳﻌﺪ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻤﺴﻮﺭﻱ، ﻭﺷﺎﺭﻛﻬﻤﺎ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ اﻟﺪﻳﻦ، ﻛﺎﻥ ﺇﻣﺎﻡ اﻟﺰاﻫﺪﻳﻦ ﻭﻗﺪﻭﺓ اﻟﻌﺎﺑﺪﻳﻦ, ﺗﻮﻓﻲ ﺑﺬﻱ اﻟﻘﻌﺪﺓ ﺳﻨﺔ (1028ﻫـ), ﻭﺩﻓﻦ ﺑﻤﺸﻬﺪ اﻷﻣﻴﺮ ﺫﻱ اﻟﺸﺮﻓﻴﻦ ﺃﻳﻤﻦ اﻟﺒﺎﺏ اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻓﺼﻞ، وﻋﻤﺮﻩ ﻧﺤﻮ ﻣﻦ (80)عاماً.

اﻟﺸﻴﺦ اﻟﻌﻼﻣﺔ ﺷﺮﻑ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻧﺎﺻﺮ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺯﻳﺪ ﺑﻦ ﻧﻬﺸﻞ اﻟﻤﺤﺒﺸﻲ, ﻗﺮﺃ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ اﻟﺪﻳﻦ, ﻭاﻹﻣﺎﻡ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ, ﻭﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﺑﻦ اﻟﻤﺆﻳﺪ ﺑﺎﻟﻠﻪ، ﻭﺳﻤﻊ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺻﺎﻟﺢ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ اﻟﺮﺟﺎﻝ، ﻭاﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﺻﺎﻟﺢ اﻟﻌﻔﺎﺭﻱ، ﻭﻛﺎﻥ ﺧﺎﺻﺎً ﺑﺎﻟﻤﺘﻮﻛﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ، ﻭﻛﺘﺐ ﻟﻪ، ﻭﻛﺎﻥ ﻭﺯﻳﺮاً ﻟﻪ، ﺛﻢ ﻟﻮﻟﺪﻩ اﻹﻣﺎﻡ اﻟﻤﺆﻳﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ, ﻭﻟﻪ ﺗﻼﻣﺬﺓ ﺃﺟﻼء ﻣﻨﻬﻢ: ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻧﺎﺻﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻖ اﻟﻤﺨﻼﻓﻲ، ﻭﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ اﻟﻈﻔﻴﺮﻱ، ﻭﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻤﻔﺘﻲ اﻟﺤﺴﻨﻲ، ﻭاﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﺻﺎﻟﺢ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ, ﻭﻛﺎﻥ ﻋﺎﻟﻤﺎً ﻣﺤﻘﻘﺎً ﻋﺎﻣﻼً ﻣﺘﻮاﺿﻌﺎً، ﻭﻛﺎﻥ ﻭﺻﻴﺎً للإمام اﻟﻤﺆﻳﺪ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ، ﻭﻧﻔﺬ ﻭﺻﺎﻳﺎﻩ، ﺛﻢ اﻧﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﺿﻮﺭاﻥ وﺑﻌﺪﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﺷﻬﺎﺭﺓ ﻭﺑﻬﺎ ﺳﻜﻦ ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻓﻲ ﺳﻨﺔ (1098ﻫـ), ﻭﻗﺒﺮﻩ ﻓﻲ اﻟﺼﺮﺡ اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻊ ﺷﻬﺎﺭﺓ.
اﻟﺴﻴﺪ اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻟﻜﺒﻴﺮﺣﺴﻦ ﺑﻦ ﺣﺴﻴﻦ ﺑﻦ ﻗﺎﺳﻢ ﻋﺪﻻﻥ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﻧﺴﺒﻪ ﺇﻟﻰ اﻹﻣﺎﻡ ﻋﺰ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ، اﺷﺘﻬﺮ ـ ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ـ ﺑﻮﺯاﺭﺓ ﻭﻣﻨﺎﺻﺮﺓ اﻹﻣﺎﻡ اﻟﻬﺎﺩﻱ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ اﻟﻘﺎﺳﻤﻲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ.
ﻗﺎﻝ ﻓﻲ ﻧﺰﻫﺔ اﻟﻨﻈﺮ ﻟﺰﺑﺎﺭﺓ: "ﻛﺎﻥ ﻋﺎﻟﻤﺎً ﻣﺒﺮﺯاً ﻭﺭﻋﺎً ﺯاﻫﺪاً ﺣﻘﻖ ﻭﺩﻗﻖ ﻭﺃﻓﺎﺩ ﻭاﺳﺘﻔﺎﺩ، ﻭﻛﺎﻥ ﺣﺎﻭﻳﺎً ﻟﺨﺼﺎﻝ اﻟﻜﻤﺎﻝ ﺟﻮﺩاً ﻭﺷﻬﺎﻣﺔ ﻭﻣﺠﺪاً ﻭﺭﻳﺎﺳﺔ ﻭﻓﺨﺎﻣﺔ، ﻭﻛﺎﻥ ﻗﺎﺋﻤﺎً ﺑﺪﻋﻮﺓ اﻹﻣﺎﻡ اﻟﻬﺎﺩﻱ ﺑﺠﺪ ﻭاﺟﺘﻬﺎﺩ، ﻭﺟﺎﻫﺪ ﻣﻌﻪ ﻭﺻﺒﺮ ﻭﺻﺎﺑﺮ، ﺛﻢ ﺃﺳﺮ، ﻭاﻋﺘﻘﻞ بشهارة، ﻭﺑﻘﻲ ﺑﻬﺎ ﻣﻌﺘﻘﻼً ﻣﺪﺭﺳﺎً، ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺗﻮﻓﻲ ﻓﻲ ﺭﺟﺐ ﺳﻨﺔ (1329هـ)".
اﻟﺴﻴﺪ اﻟﻔﺎﺿﻞ ﻟﻄﻒ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺷﻤﺲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ اﻟﻤﺮﺗﻀﻰ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ اﻟﻬﺎﺩﻭﻱ اﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﺑﺴﺤﻠﺔ، ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻛﺒﺎﺭ اﻟﻤﺠﺎﻫﺪﻳن.
اﻟﺴﻴﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ اﻟﻤﻬﺪﻱ ﺑﻦ ﺟﺤﺎﻑ اﻟﻘﺎﺳﻤﻲ.
اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻟﻤﺠﺘﻬﺪ ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﺻﺎﻟﺢ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﺣﻨﺶ اﻟﻈﻔﺎﺭﻱ، ﻣﻮﻟﺪﻩ: ﻓﻲ (966هـ), وقد ﻛﺎﻥ ﻣﻦ اﻟﻌﻴﻮﻥ ﻭاﻟﻤﺤﻘﻘﻴﻦ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻔﻨﻮﻥ، ﻗﺮﺃ ﻣﻊ اﻹﻣﺎﻡ اﻟﻤﻨﺼﻮﺭ ﺑﺎﻟﻠﻪ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻰ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﻴﻮﺥ، ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻌﻈﻤﺎً ﻋﻨﺪ اﻹﻣﺎﻡ، ﺗﻮﻓﻲ: ﻓﻲ ﺷﻬﺎﺭﺓ اﻟﻤﺤﺮﻭﺳﺔ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺷﻬﺮ ﺷﻮاﻝ سنة (1028هـ), ﻭﻗﺒﺮﻩ ﻋﻨﺪ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﻤﻴﺪاﻥ ﺑﺎﻟﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﻗﺒﺮ ﺣﻲ اﻟﺴﻴﺪاﻟﻌﻼﻣﺔ ﺟﻤﺎﻝ اﻹﺳﻼﻡ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺻﺎﻟﺢ اﻟﻌﺒﺎﻟﻲ.
اﻟﺴﻴﺪ اﻟﻌﻼﻣﺔ الزاهد ﺻﻼﺡ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﺻﺎﻟﺢ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺩاﻭﺩ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻴﻢ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﺴﻜﺮ ﺑﻦ ﻣﻬﻨﻰ ﺑﻦ ﺩاﻭﺩ ﺑﻦ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ اﻹﻣﺎﻡ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻹﻣﺎﻡ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﻧﺠﻢ ﺁﻝ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﺑﻦ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺑﻦ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺴﻼﻡ,  ﺗﻮﻓﻲ ﻓﻲ (9) ﺭﺟﺐ ﺳﻨﺔ (1048هـ), ﻭﺩﻓﻦ ﻓﻲ ﻣﺸﻬﺪ ذي الشرفين حرسها اﻟﻠﻪ، ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻓﻀﻼء اﻟﻌﺘﺮﺓ ﻭﺃﺋﻤﺘﻬﺎ، ﻋﻠﻤﺎً ﻭﻋﻤﻼً ﻭﺟﻬﺎﺩاً ﻭﻋﺒﺎﺩﺓ، ﻋﺎﺿﺪ اﻹﻣﺎﻡ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ، ﻭاﻹﻣﺎﻡ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ، ﻭاﻹﻣﺎﻡ اﻟﻤﺆﻳﺪ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺴﻼﻡ، ﻭﻛﺎﻥ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﻲ ﺃﻛﺜﺮﻫﺎ اﻟﻔﺘﻴﺎ ﻭاﻟﺨﻄﺎﺑﺔ ﻭاﻟﺮﺳﺎﺋﻞ، ﻭﻣﻤﺎ ﺃﻭﺻﻰ ﺃﻥ ﻳﻜﺘﺐ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﺮﻩ ﺭﺿﻮاﻥ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ:
"ﻟﻤﺎ ﻋﺪﻣﺖ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺃﻟﻘﻰ ﺑﻬﺎ .... ﺭﺑﻲ ﺗﻘﻰ ﻧﻔﺴﻲ ﺃﻟﻴﻢ ﻋﻘﺎﺑﻬﺎ
ﺻﻴﺮﺕ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺳﻴﻠﺔ .... ﻭﻛﻔﻰ ﺑﻬﺎ ﻭﻛﻔﻰ ﺑﻬﺎ ﻭﻛﻔﻰ ﺑﻬﺎ".
اﻟﺴﻴﺪ العلامة اﻟﻤﺠﺎﻫﺪ، ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺻﻼﺡ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻴﺴﻰ ﺑﻦ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺑﻦ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﺻﻠﻮاﺕ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻌﺒﺎﻟﻲ اﻟﻘﺎﺳﻤﻲ, ﺗﻮﻓﻲ ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻳﻮﻡ اﻟﺨﻤﻴﺲ (5) ﺭﺟﺐ ﺳﻨﺔ (1019هـ)، ﻭﻗﺒﺮﻩ ﻗﺮﻳﺐ ﻣﻦ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﻤﻴﺪاﻥ.
اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻷﺟﻞ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﺻﻼﺡ اﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﺑﺎﻟﻬﺒﻞ، ﺗﻮﻓﻲ يوم (24) ﺷﻮاﻝ ﺳﻨﺔ (1038هـ), ﻭﻗﺒﺮﻩ بالسرار.
العالمة الشاعرة زينب الشهارية.

المصادر/ 
النبذة المشيرة في جمل من عيون السيرة
هجر العلم ومعاقله في اليمن
التحف شرح الزلف
بهجة الزمن
مطلع البدور ومجمع البحور
طبقات الزيدية الكبرى
التراث اليمني في المكتبات الخاصة